" صفحة رقم ٢٦٠ "
والفوقية في قوله :( فوق الذين كفروا ( بمعنى الظهور والانتصار، وهي فوقية دنيوية بدليل قوله :( إلى يوم القيامة ).
والمراد بالذين اتبعوه : الحواريون ومن اتبعه بعد ذلك، إلى أن نُسخت شريعته بمجيء محمد ( ﷺ )
وجملة ) ثم إليّ مرجعكم ( عطف على جملة ) وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا ( إذ مضمون كلتا الجملتين من شأن جزاءِ اللَّهِ متّبِعي عيسى والكافرين به. وثم للتراخي الرتبي ؛ لأنّ الجزاء الحاصل عند مرجع الناس إلى الله يوم القيامة، مع ما يقارنه من الحكم بين الفريقين فيما اختلفوا فيه، أعظمُ درجةً وأهم من جعل متبعي عيسى فوق الذين كفروا في الدنيا.
والظاهر أنّ هذه الجملة مما خاطب الله به عيسى، وأنّ ضمير مرجعكم، وما معه من ضمائر المخاطبين، عائد إلى عيسى والذين اتبعوه والذين كفروا به.
ويجوز أن يكون خطاباً للنبيء ( ﷺ ) والمسلمين، فتكون ثم للانتقال من غرض إلى غرض، زيادة على التراخي الرتبي والتراخي الزمني.
والمَرْجععِ مصدر ميمي معناه الرجوع. وحقيقة الرجوع غير مستقيمة هنا فتعيّن أنّه رجوع مجازي، فيجوز أن يكون المرادُ به البعثَ للحساب بعد الموت، وإطلاقه على هذا المعنى كثير في القرآن بلفظه وبمرادفه نحو المصير، ويجوز أن يكون مراداً به انتهاء إمهال الله إياهم في أجللٍ أراده فينفذ فيهم مراده في الدنيا.
ويجوز الجمع بين المعنيين باستعمال اللفظ في مجازيه، وهو المناسب لجمع العذابين في قوله :( فأعذبهم عذاباً شديداً في الدنيا والآخرة ( وعلى الوجهين يجري تفسير حكم الله بينهم فيما هم فيه يختلفون. وقوله :( فإما الذين كفروا فأعذبهم ( إلى قوله ) فنوفيهم أجورهم ( تفصيل لما أجمل في قوله ) فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون ). وقوله ) فأعذبهم عذاباً شديداً في الدنيا والأخرة ( المقصود من هذا الوعيدِ هو عذاب الآخرة لأنه وقع في حَيز تفصيل الضمائر من قوله :( فأحكم بينكم فيما كنتم فيه


الصفحة التالية
Icon