" صفحة رقم ٢٨٧ "
وقوله :( إلا ما دمت عليه قائماً ( أطلق القيام هنا على الحرص والمواظبة : كقوله :( قائماً بالقسط ( ( آل عمران : ١٨ ) أي لا يفعل إلاّ العدل.
وعديّ ( قائماً ) بحرف ( على ) لأنّ القيام مجاز على الإلحاح والترداد فتعديته بحرف الاستعلاء قرينة وتجريد للاستعارة.
و ( ما ) من قوله :( إلا ما دمت عليه قائماً ( حرف مصدري يصير الفعل بعده في تأويل مصدر، ويكثر أن يقدر معها اسم زمان ملتزَمٌ حذفه يدل عليه سياق الكلام فحينئذ يقال ما ظرفية مصدرية. وليست الظرفية مدلولها بالأصالة ولا هي نائبة عن الظرف، ولكنها مستفادة من موقع ( مَا ) في سياق كلام يؤذن بالزمان، ويكثر ذلك في دخول ( ما ) على الفعل المتصرّف من مادة دَام ومرادفها.
و ( ما ) في هذه الآية كذلك فالمعنى : لا يؤدّه إليك إلاّ في مدة دوام قيامك عليه أي إلحاحك عليه. والدوام حقيقته استمرار الفعل وهو هنا مجاز في طول المدة، لتعذر المعنى الحقيقي مع وجود أداة الاستثناء، لأنه إذا انتهى العمر لم يحصل الإلحاح بعدَ الموت.
والاستثناء من قوله :( إلا ما دمت عليه قائماً ( يجوز أن يكون استثناء مفرّغاً من أوقات يدل عليها موقع ( مَا ) والتقدير لا يؤدّه إليك في جميع الأزمان إلاّ زماناً تدوم عليه فيه قائماً فيكون ما بعد ( إلاّ ) نصباً على الظرففِ، ويجوز أن يكون مفرّغاً من مصادر يَدل عليها معنى ( ما ) المصدرية، فيكون ما بعده منصوباً على الحال لأنّ المصدر يقع حالاً.
وقدّم المجرور على متعلقه في قوله :( عليه قائماً ( للاهتمام بمعنى المجرور، ففي تقديمه معنى الإلحاح، أي إذا لم يكن قيامُك عليه لا يُرجعُ لك أمانتك.
والإشارة في قوله :( ذلك بأنهم قالوا ( إلى الحكم المذكور وهو ) إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك ( وإنما أشير إليه لكمال العناية بتمييزه لاختصاصه بهذا الشأن العجيب.
والباء للسبب أي ذلك مُسَببٌ عن أقوال اختلقوها، وعبّر عن ذلك بالقول، لأنّ القول يصدر عن الإعتقاد، فلذا ناب منابه فأطلق على الظنّ في مواضع من كلام العرب.
وأرادوا بالأميين من ليسوا من أهل الكتاب في القديم، وقد تقدم بيان معنى الأمي في سورة البقرة.


الصفحة التالية
Icon