" صفحة رقم ٢٨٩ "
وقد كذّبهم الله تعالى في هذا الزعم فقال :( ويقولون على الله الكذب ( قال المفسرون : إنهم ادّعوا أنهم وجدوا ذلك في كتابهم. وروى عن سعيد بن جبير أنه لما نزل قوله تعالى :( ومن أهل الكتاب من إن تأمنه ( إلى قوله ) وهم يعلمون ( قال النبي ( ﷺ ) ( كذب أعداء الله ما من شيء كان في الجاهلية إلاّ وهو تحت قدميّ هاتين إلاّ الأمانة فإنها مؤدّاة إلى البرّ والفاجر.
وقوله وهم يعلمون حال أي يعتمدون الكذب : إما لأنهم علموا أنّ ما قاسوه على ما في كتابهم ليس القياس فيه بصحيح، وإما لأنّ التأويل الباطل بمنزلة العلم بالكذب، إذ الشبهة الضعيفة كالعهد.
و ( بَلى ) حرف جواب وهو مختص بإبطال النفي فهو هنا لإبطال قولهم :( ليس علينا في الأميين سبيل ( ( آل عمران : ٧٥ ).
و ( بلى ) غير مختصّة بجواب الاستفهام المنفي بل يجاب بها عند قصد الإبطال، وأكثر مواقعها في جواب الاستفهام المنفي، وجيء في الجواب بحكم عام ليشمل المقصود وغيره : توفيراً للمعنى، وقصْداً في اللفظ، فقال :( من أوفى بعهده ( أي لم يخن، لأنّ الأمانة عهد، ) واتقى ( ) ربه فلم يدحَض حق غيره ) إنّ الله يحبّ المحسنين ( ( المائدة : ١٣ ) أي الموصوفين بالتقوى، والمقصود نفي محبة الله عن ضدّ المذكور بقرينة المقام.
٧٧ ) ) إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيًلا أُوْلَائِكَ لاَ خَلَاقَ لَهُمْ فِى الاَْخِرَةِ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ).
مناسبة هذه الآية لما قبلها أنّ في خيانة الأمانة إبطالاً للعهد، وللحلف الذي بينهم، وبين المسلمين، وقريششٍ. والكلامُ استئناف قصد منه ذكر الخُلق الجامع لشتات مساوىء أهل الكتاب من اليهود، دعا إليه قوله وَدّت طائفة من أهل الكتاب وما بعده.
وقد جرت أمثال هذه الأوصاف على اليهود مفرّقة في سورة البقرة ( ٤٠ ) :( أوفوا بعهدي، ولا تشتروا بآياتي ثمناً قليلاً ( ( البقرة : ٤١ ). ) ماله في الآخرة من خلاق ( ( البقرة : ١٠٢ ). ) ولا يكلمهم الله يوم


الصفحة التالية
Icon