" صفحة رقم ٢٩٢ "
فجعل يضحى يَحْزَى وجعل يَخصر يخسر بالسين لِيشوّه المعنى لأنه غضب من إقبال ابن عباس على سماع شعره. وفي الأحاجي والألغاز كثير من هذا كقولهم : إنّ للاّهي إلهاً فوقَه فيقولها أحد بحضرة ناس ولا يشبع كسرة اللاّهي يخالها السامع لله فيظنه كَفَر. أو لعلهم كانوا يقرؤون ما ليس من التوراة بالكيفيات أو اللحون التي كانوا يقرؤون بها التوراة ليخيلوا للسامعين أنهم يقرؤون التوراة.
ويحتمل أن يكون اللّي هنا مجازَاً عن صرف المعنى إلى معنى آخر كقولهم لوى الحجة أي ألقي بها على غير وجهها، وهو تحريف الكلم عن مواضعه : بالتأويلات الباطلة، والأقيسة الفاسدة، والموضوعات الكاذبة، وينسبون ذلك إلى الله، وأياماً كان فهذا للَّيُّ يقصدون منه التمويه على المسلمين لغرض، حكما فعل ابن صوريا في إخفاء حكم رجم الزاني في التوراة وقوله : نحَمم وجهه.
والمخاطب يتحسبوه المسلمون دون النبي ( ﷺ ) أو هو والمسلمون في ظنّ اليهود.
وجيء بالمضارع في هاته الأفعال : يلوون، ويَقُولون، للدلالة على تجدّد ذلك وأنه دأبهم.
وتكرير الكتاب في الآية مرتين، واسم الجلالة أيضاً مرتين، لقصد الاهتمام بالاسمين، وذلك يجر إلى الاهتمام بالخبر المتعلق بهما، والمتعلقين به، قال المرزوقي في شرح الحماسة في باب الأدب عند قول يحيى بن زياد :
لما رأيت الشيب لاح بياضه
بمفرق رأسي قلت للشيب مرحبا
كان الواجب أن يقول :( قلت له مرحبا لكنهم يكرّرون الأعلام وأسماء الأجناس كثيراً والقصد بالتكرير التفخيم ) قلت ومنه قول الشاعر :
لا أرى الموت يسبق الموت شيء
قهر الموت ذا الغنى والفقيرا
وقد تقدم تفصيل ذلك عند قوله تعالى في سورة البقرة ( ٢٨٢ ) :( واتقوا اللَّه ويعلمكم اللَّه واللَّه بكل شيء عليم.


الصفحة التالية
Icon