" صفحة رقم ١٢ "
ولذلك حذف مفعول ) سيعلمون ( ليعُمّ المعلومَيْن فإنهم عند الموت يرون ما سيصيرون إليه فقد جاء في الحديث الصحيح ( إن الكافر يرى مقعده فيقال له هذا مقعدك حتى تبعث )، وفي الحديث :( القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حُفر النار ) وذلك من مشاهد رُوح المقبور وهي من المكاشفات الروحية وفسر بها قوله تعالى :( لترون الجحيم ثم لترونها عين اليقين ( ( التكاثر : ٦، ٧ ).
فتضمن هذا الإبطال وما بعده إعلاماً بأن يوم البعث واقع، وتضمن وعيداً وقد وقع تأكيده بحرف الاستقبال الذي شأنه إفادة تقريب المستقبل.
ومن محاسن هذا الأسلوب في الوعيد أن فيه إيهاماً بأنهم سيعلمون جواب سؤالهم الذي أرادوا به الإحالة والتهكم، وصوروه في صورة طلب الجواب فهذا الجواب من باب قول الناس : الجوابُ ما ترى لا ما تسمع.
ارتقاء في الوعيد والتهديد فإن ) ثم ( لما عَطفتَ الجملة فهي للترتيب الرتبي، وهو أن مدلول الجملة التي بعدها أرقى رتبة في الغرض من مضمون الجملة التي قبلها، ولما كانت الجملة التي بعد ) ثم ( مثل الجملة التي قبل ) ثم ( تعيّن أن يكون مضمون الجملة التي بعد ) ثم ( أرقى درجة من مضمون نظيرها. ومعنى ارتقاء الرتبة أن مضمون ما بعد ) ثم ( أقوى من مضمون الجملة التي قبل ) ثم (، وهذا المضمون هو الوعيد، فلما استفيد تحقيق وقوع المتوعد به بما أفاده التوكيد اللفظي إذ الجملة التي بعد ) ثم ( أكدت الجملة التي قبلها تعيّن انصراف معنى ارتقاء رتبة معنى الجملة الثانية هو أن المتوعد به الثاني أعظم مما يحسبون.
وضمير ) سيعلمون ( في الموضعين يجري على نحو ما تقدم في ضمير ) يتساءلون ( ( النبأ : ١ ) وضمير ) فيه مختلفون ( ( النبأ : ٣ ).
لما كان أعظم نبأ جاءهم به القرآن إبطال إلاهية أصنامهم وإثبات إعادة خلق أجسامِهم، وهما الأصلان اللذان أثارا تكذيبهم بأنه من عند الله وتألبهم على


الصفحة التالية
Icon