" صفحة رقم ١٢٣ "
فذكر فعل ) خلقه ( الثاني من أسلوب المساواة ليس بإيجاز، وليس بإطناب.
والنطفة : الماء القليل، وهي فُعلة بمعنى مفعولة كقولهم : قُبضةُ حَب، وغُرفة ماء. وغلب إطلاق النطفة على الماء الذي منه التناسل، فذُكرت النطفة لتعيُّن ذكرها لأنها مادة خلق الحيوان للدلالة على أن صنع الله بديع فإمكان البعث حاصل، وليس في ذكر النطفة هنا إيماء إلى تحقير أصل نشأة الإنسان لأن قصد ذلك محل نظر، على أن المقام هنا للدلالة على خلققٍ عظيم وليس مقام زجر المتكبر.
وفُرع على فعل ) خلقه ( فعلُ ) فقدره ( بفاء التفريع لأن التقدير هنا إيجاد الشيء على مقدار مضبوط منظم كقوله تعالى :( وخلق كل شيء فقدره تقديراً ( ( الفرقان : ٢ ) أي جعل التقدير من آثار الخلق لأنه خلقه متهيئاً للنماء وما يلابسه من العقل والتصرف وتمكينه من النظر بعقله، والأعمال التي يريد إتيانها وذلك حاصل مع خلقه مدرَّجاً مفرعاً.
وهذا التفريع وما عطف عليه إدماج للامتنان في خلال الاستدلال.
وحرف ) ثم ( من قوله :( ثم السبيل يسره ( للتراخي الرتبي لأن تيسير سبيل العمل الإنساني أعجب في الدلالة على بديع صنع الله لأنه أثَرُ العقل وهو أعظم ما في خلق الإنسان وهو أقوى في المنة.
و ) السبيل ( : الطريق، وهو هنا مستعار لما يفعله الإنسان من أعماله وتصرفاته تشبيهاً للأعمال بطريق يمشي فيه الماشي تشبيهَ المحسوس بالمعقول.
ويجوز أن يكون مستعاراً لمسقط المولود من بطن أمه فقد أطلق على ذلك المَمر اسم السبيل في قولهم :( السبيلان ) فيكون هذا من استعمال اللفظ في مجازيه. وفيه مناسبة لقوله بعده :( ثم أماته فأقبره (، ف ) أماته ( مقابل ) خلقه ( و ) أقبره ( مقابل ) ثم السبيل يسره ( لأن الإِقبار إدخال في الأرض وهو ضد خروج المولود إلى الأرض.
والتيسير : التسهيل، و ) السبيل ( منصوب بفعل مضمر على طريق


الصفحة التالية
Icon