" صفحة رقم ١٢٧ "
ويعتلَّ بأنه لم ينشر أحداً منذ القدم إلى الآن. وهذا الوجه هو الجاري على قول البصريين كما تقدم.
وموقع ) كَلاَّ ( على هذا التأويل موقع الجواب بالإِبطال، وموقع جملة :( لما يقض ما أمره ( موقع العلة للإِبطال، أي لو قَضَى ما أمره الله به لعِلم بطلان زعمه أنه لا ينشر.
وتأوله في ( الكشاف ) بأنه :( ردْع للإِنسان عما هو عليه ) أي مِمَّا ذكر قبله من شدة كفره واسترساله عليه دون إقلاع، يريد أنه زجر عن مضمون :( ما أكفره ( ( عبس : ١٧ ).
ومنهم من يجعل الردع متوجهاً إلى ما بعد ) كلاّ ( مما يومىء إليه قوله تعالى :( لما يقض ما أمره ( أي ليس الأمر كما يقول هذا الإِنسان الكافر من أنه قد أدى حق الله الذي نبهه إليه بدعوة الرسل وبإيداع قوة التفكير فيه، ويُتسروح هذا من كلام روي عن مجاهد، وهو أقرب لأن ما بعد ) كَلاَّ ( لما كان نفياً ناسب أن يُجعل ) كلاّ ( تمهيداً للنفي.
وموقع ) كلاّ ( على هذا الوجه أنها جزء من استئناف.
وموقع جملة :( لما يقض ما أمره ( استئناف بياني نشأ عن مضمون جملة :( من أي شيء خلقه إلى قوله : أنشره ( ( عبس : ١٨ ٢٢ )، أي إنما لم يَهتد الكافرُ إلى دلالة الخلق الأول على إمكاننِ الخلق الثاني، لأنه لم يقض حق النظر الذي أمره الله.
وأما الذين لم يلتزموا معنى الزجر في ) كلاّ ( وهم الكسائي القائل : تكون ) كلاّ ( بمعنى حقاً، ووافقه ثعلب وأبو حاتم السجستاني القائل : تكون ) كلا ( بمعنى ( ألاّ ) الاستفتاحية.
والنضر بن شميل والفرّاء القائلان : تكون ) كلاّ ( حَرفَ جواب بمعنى نعم. فهؤلاء تأويل الكلام على رأيهم ظاهر.
وعن الفراء ) كلاّ ( تكون صلة ( أي حرفاً زائداً للتأكيد ) كقولك : كلاَّ ورب الكعبة ا هـ. وهذا وجه إليه ولا يتأتى في هذه الآية.
فالوجه في موقع ) كلاّ ( هنا أنه يجوز أن تكون زجراً عما يفهم من قوله :( ثم إذا


الصفحة التالية
Icon