" صفحة رقم ١٢٩ "
( ٢٤ ٣٢ ) ) (
إما مفرع على قوله :( لما يقض ما أمره ( ( عبس : ٢٣ ) فيكون مما أمره الله به من النظر، وإما على قوله :( ما أكفره ( ( عبس : ١٧ ) فيكون هذا النظر مما يبطل ويزيل شدة كفر الإنسان. والفاء مع كونها للتفريع تفيد معنى الفصيحة، إذ التقدير : إن أراد أن يقضي ما أمره فلينظر إلى طعامه أو إن أراد نقض كفره فلينظر إلى طعامه. وهذا نظير الفاء في قوله تعالى :( إن كل نفس لما عليها حافظ فلينظر الإنسان مم خلق ( ( الطارق : ٤، ٥ )، أي إن أراد الإنسان الخلاص من تبعات ما يكتبه عليه الحافظ فلينظر مِمَّ خُلق ليهتدي بالنظر فيؤمن فينجو.
وهذا استدلال آخر على تقريب كيفية البعث انتقل إليه في معرض الإرشاد إلى تدارك الإِنسان ما أهملَه وكان الانتقال من الاستدلال بما في خَلْق الإنسان من بديع الصنع من دلائل قائمة بنفسه في آية :( من أي شيء خلقه ( ( عبس : ١٨ ) إلى الاستدلال بأحوال موجودة في بعض الكائنات شديدة الملازمة لحياة الإنسان ترسيخاً للاستدلال، وتفنناً فيه، وتعريضاً بالمنة على الإِنسان في هذه الدلائل، من نعمة النبات الذي به بقاء حياة الإنسان وحياة ما ينفعه من الأنعام.
وتعدية فعل النظر هنا بحرف ) إلى ( تدل على أنه من نظر العين إشارة إلى أن العبرة تحصل بمجرد النظر في أطواره. والمقصود التدبر فيما يشاهده الإنسان من أحوال طعامه بالاستدلال بها على إيجاد الموجودات من الأرض. وجُعل المنظور إليه ذاتَ الطعام مع أن المراد النظر إلى أسباب تكونه وأحوال تطوره إلى حالة انتفاع الإنسان به وانتفاع أنعام الناس به.
وذلك من أسلوب إناطة الأحكام بأسماء الذوات، والمراد أحوالها مثل قوله تعالى :( حرمت عليكم الميتة ( ( المائدة : ٣ ) أي أكلها، فأمر الله الإنسان بالتفكير في أطوار تكوّن الحبوب والثمار التي بها طعامه، وقد وُصف له تطور ذلك ليَتَأمل ما أودع إليه في


الصفحة التالية
Icon