" صفحة رقم ١٤٤ "
وتطلق النفس على ذات الإنسان قال تعالى :( ولا تقتلوا النفس التي حرم اللَّه إلا بالحق ( ( الأنعام : ١٥١ ) وقال :( هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم ( ( الجمعة : ٢ ) وقال :( فإذا دخلتم بيوتاً فسلموا على أنفسكم ( ( النور : ٦١ ) أي فليسلم الداخل على أمثاله من الناس.
فيجوز أن يكون معنى النفوس هنا الأرواح، أي تزوج الأرواح بالأجساد المخصصة لها فيصير الروح زَوجاً مع الجسد بعد أن كان فرداً لا جسم له في برزخ الأرواح، وكانت الأجساد بدون أرواح حين يعاد خلقها، أي وإذا أعطيت الأرواح للأجساد. وهذا هو البعث وهوالمعنى المتبادر أولاً، وروي عن عكرمة.
ويجوز أن يكون المعنى وإذا الأشخاص نُوعت وصنفت فجعلت أصنافاً : المؤمنون، والصالحون، والكفار، والفجار، قال تعالى :( وكنتم أزواجاً ثلاثة فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة والسابقون ( ( الواقعة : ٧ ١٠ ) الآية.
ولعل قصد إفادة هذا التركيب لهاذين المعنيين هو مقتضِيَ العدول عن ذكر ما زُوجت النفوس به. وأول منازل البعث اقتران الأرواح بأجسادها، ثم تقسيم الناس إلى مراتبهم للحشر، كما قال تعالى :( ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون ( ( الزمر : ٦٨ ) ثم قال :( وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمراً ( ( الزمر : ٧١ ) ثم قال :( وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمراً ( ( الزمر : ٧٣ ) الآية.
وقد ذكروا معاني أخرى لتزويج النفوس في هذه الآية غير مناسبة للسياق.
وبمناسبة ذكر تزويج النفوس بالأجساد خص سؤال الموءودة بالذكر دون غيره مما يُسأل عنه المجرمون يوم الحساب. ذلك لأن إعادة الأرواح إلى الأجساد كان بعد مفارقتها بالموت، والموت إما بعارض جسدي من انحلال أو مرض وإما باعتداء عدواني من قتل أو قتال، وكان من أفظع الاعتداء على إزهاق الأرواح من أجسادها اعتداء الآباء على نفوس أطفالهم بالوأد، فإن الله جعل في الفطرة حرص الآباء على استحياء أبنائهم وجعل الأبوين سبب إيجاد الأبناء، فالوأْد أفظع أعمال أهل الشرك وسؤال الموءودة سؤال تعريضي مراد منه تهديد وائدها وَرُعْبِهِ بالعذاب.
وظاهر الآية أن سؤال الموءودة وعقوبة من وأدها أول ما يُقْضَى فيه يوم القيامة


الصفحة التالية
Icon