" صفحة رقم ١٦٣ "
عن عدم التغيير. والمعنى : وما صاحبكم بكاتم شيئاً من الغيب، أي ما أخبرَكم به فهو الحق.
وأما معنى ( ظنين ) بالظاء المشالة فهو فعيل بمعنى مفعول مشتق من الظن بمعنى التهمة، أي مظنون. ويراد أنه مظنون به سوءٌ، أي أن يكون كاذباً فيما يخبر به عن الغيب، وكثر حذف مفعول ظنين بهذا المعنى في الكلام حتى صار الظن يطلق بمعنى التهمة فَعُدّي إلى مفعول واحد. وأصل ذلك أنهم يقولون : ظَنّ به سُوءاً، فيتعدى إلى متعلّقه الأول بحرف باء الجر فلما كثر استعماله حذفوا الباء ووصلوا الفعل بالمجرور فصار مفعولاً فقالوا ظنه : بمعنى اتهمه، يقال : سُرِق لي كذا وظَننْت فلاناً.
وحرف ) على ( في هذا الوجه للاستعلاء المجازي الذي هو بمعنى الظرفية نحو ) أو أجِدُ على النار هدى ( ( طه : ١٠ )، أي ما هو بمتهم في أمر الغيب وهو الوحي أن لا يكون كما بلغه، أي أن ما بَلَّغَهُ هو الغيب لا ريب فيه، وعكسه قولهم : ائتمنه على كذا.
عطف على :( إنه لقول رسول كريم ( ( التكوير : ١٩ )، وهذا رجوع إلى ما أقسم عليه من أن القرآن قول رسول كريم، بعد أن استُطرد بينهما بتلك المستطردات الدالة على زيادة كمال هذا القول بقُدسية مصدره ومكانةِ حامله عند الله وصدققِ متلقيه منه عن رؤية محققة لا تخيل فيها، فكان التخلص إلى العَود لتنزيه القرآن بمناسبة ذكر الغيب في قوله تعالى :( وما هو على الغيب بضنين ( ( التكوير : ٢٤ ).
فإن القرآن من أمر الغيب الذي أوحي به إلى محمد ( ﷺ ) وفيه كثير من الأخبار عن أمور الغيب الجنة والنار ونحو ذلك.
وقد علم أن الضمير عائد إلى القرآن لأنه أخبر عن الضمير بالقول الذي هو من جنس الكلام إذ قال :( وما هو بقول شيطان رجيم ( ( التكوير : ٢٥ ) فكان المخبر عنه من قبيل الأقوال لا محالة، فلا يتوهم أن الضمير عائد إلى ما عاد إليه ضمير :( وما هو على الغيب بضنين ).


الصفحة التالية
Icon