" صفحة رقم ١٦٧ "
وفي هذه الآية إشارة بينة على أن من الخطأ أن يوزن حال الدين الإِسلامي بميزان أحوال بعض المسلمين أو معظمهم كما يفعله بعض أهل الأنظار القاصرة من الغربيين وغيرهم إذ يجعلون وجهة نظرهم التأمل في حالة الأمم الإِسلامية ويَسْتَخلصون من استقرائها أحكاماً كلية يجعلونها قضايا لفلسفتهم في كنه الديانة الإِسلامية.
وهذه الآية صريحة في إثبات المشيئة للإِنسان العاقل فيما يأتي ويدع، وأنه لا عذر له إذا قال : هذا أمر قُدِّر، وهذا مكتوب عند الله، فإن تلك كلمات يضعونها في غير محالها، وبذلك يبطل قول الجبرية، ويثبت للعبد كسب أو قدرة على اختلاف التعبير.
يجوز أن تكون تذييلاً أو اعتراضاً في آخر الكلام.
ويجوز أن تكون حالاً. والمقصود التكميل والاحتراس في معنى لمن شاء منكم أن يستقيم، أي ولمن شاء له ذلك من العالمين، وتقدم في آخر سورة الإنسان قوله تعالى :( إن هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلاً وما تشاءون إلا أن يشاء اللَّه إن اللَّه كان عليماً حكيماً ( ( الإنسان : ٢٩، ٣٠ ).
والفرق بينهما أن في هذه الآية وُصف الله تعالى ب ) ربُّ العالمين ( وهو مفيد التعليل لارتباط مشيئة من شاء الاستقامة من العالمين لمشيئة الله ذلك لأنه رب العالمين فهو الخالق فيهم دواعيَ المشيئة وأسبابَ حصولها المتسلسلة وهو الذي أرشدهم للاستقامة على الحق، وبهذا الوصف ظهر مزيد الاتصال بين مشيئة الناس الاستقامة بالقرآن وبين كون القرآن ذكراً للعالمين.
وأما آية سورة الإنسان فقد ذيلت :( إنَّ الله كان عليماً حكيماً ( ( الإنسان : ٣٠ ) أي فهو بعلمه وحكمته ينوط مشيئته لهم الاستقامة بمواضع صلاحيتهم لها فيفيد أن من لم يشأ أن يتخذ إلى ربه سبيلاً قد حرمه الله تعالى من مشيئته الخير بعلمه وحكمته كناية عن شقائهم.


الصفحة التالية
Icon