" صفحة رقم ١٩ "
وإنما أوثر لفظ ( سُبات ) لما فيه من الإشعار بالقطع عن العمل ليقابله قوله بعده ) وجعلنا النهار معاشاً ( ( النبأ : ١١ ) كما سيأتي.
ويطلق السُبات على النوم الخفيف، وليس مراداً في هذه الآية إذ لا يستقيم أن يكون المعنى : وجعلنا نومكم نوماً، ولا نوماً خفيفاً.
وفي ( تفسير الفخر ) : طعن بعض الملاحدة في هذه الآية فقالوا : السبات هو النوم فالمعنى : وجعلنا نومكم نوماً. وأخذ في تأويلها وجوهاً ثلاثة من أقوال المفسرين لا يستقيم منها إلا ما قاله ابن الأعرابي أن السبات القطع كما قال تعالى :( من إله غير اللَّه يأتيكم بليل تسكنون فيه ( ( القصص : ٧٢ ) وهو المعنى الأصلي لتصاريف مادة سبت.
وأنكر ابن الأنباري وابن سِيدة أن يكون فعل سبَت بمعنى استراح، أي ليس معنى اللفظ، فمن فسر السُبات بالراحة أرَاد تفسير حاصل المعنى.
وفي هذا امتنان على الناس بخلق نظام النوم فيهم لتحصل لهم راحة من أتعاب العمل الذي يَكدحُون له في نهارهم فالله تعالى جعل النوم حاصلاً للإنسان بدون اختياره، فالنوم يلجىء الإِنسان إلى قطع العمل لتحصل راحة لمجموعه العصبي الذي رُكنه في الدماغ، فبتلك الراحة يستجدّ العصب قواه التي أوهنها عمل الحواس وحركات الأعضاء وأعمالها، بحيث لو تعلقت رغبة أحد بالسهر لا بد له من أن يغلبه النوم وذلك لطف بالإِنسان بحيث يحصل له ما به منفعة مداركه قسْراً عليه لئلا يتهاون به، ولذلك قيل : إن أقل الناس نوماً أقصرهم عمراً وكذلك الحيوان.
من إتمام الاستدلال الذي قبله وما فيه من المنة لأن كون الليل لباساً حالة مهيئة لتكيف النوم ومُعينة على هنائه والانتفاع به لأن الليل ظلمة عارضة في الجو من مزايلة ضوء الشمس عن جزء من كرة الأرض وبتلك الظلمة تحتجب المرئيات عن الأبصار فيعسر المشي والعمل والشغل وينحط النشاط فتتهيأ الأعصاب للخمول ثم يغشاها النوم فيحصل السبات بهذه المقدمات العجيبة، فلا جرم كان