" صفحة رقم ٢١٢ "
هذه السورة، فكان هذا دأب المشركين في معاملتهم وهو الذي يُقرَّعُون به يوم القيامة.
والإِنقلاب : الرجوع إلى الموضع الذي جيء منه. يقال : انقلب المسافر إلى أهله وفي دعاء السفر :( أعوذُ بك من كآبة المنقلب ). وأصله مستعار من قَلَب الثوب، إذا صرفه من وجه إلى وجه آخر، يقال : قلب الشيء، إذا أرجعه.
وأهل الرجل : زوجه وأبناؤه، وذكر الأهل هنا لأنهم ينبسط إليهم بالحديث فلذلك قيل :( إلى أهلهم ( دون : إلى بيوتهم.
والمعنى : وإذا رجع الذين أجرموا إلى بيوتهم وخلَصوا مع أهلهم تحدثوا أحاديث الفكاهة معهم بذكر المؤمنين وذمهم.
وتكرير فعل :( انقلبوا ( بقوله :( انقلبوا فاكهين ( من النسج الجزل في الكلام كان يكفي أن يقول : وإذا انقلبوا إلى أهلهم فَكِهوا، أو إذا انقلبوا إلى أهلهم كانوا فاكهين. وذلك لما في إعادة الفعل من زيادة تقرير معناه في ذهن السامع لأنه مما ينبغي الاعتناء به، ولزيادة تقرير ما في الفعل من إفادة التجدد حتى يكون فيه استحضار الحالة. قال ابن جنّي في كتاب ( التنبيه على إعراب الحماسة ) عند قول الأحوص :
فإذَا تَزولُ تزولُ عن مُتَخَمِّطٍ
تُخْشَى بَوادِرُه على الأقران
محال أن تقول إذا قمتُ قمتُ وإذا أقعدُ أقعد لأنه ليس في الثاني غير ما في الأول، أي فلا يستقيم جعل الثاني جواباً للأول. وإنما جاز أن يقول فإذا تزول تزول لما اتصل بالفعل الثاني من حرف الجر المفادة منه الفائدة ومثله قول الله تعالى :( هؤلاء الذين أغوينا أغويناهم كما غوينا ( ( القصص : ٦٣ ) ولو قال : هؤلاء الذين أغوينا أغويناهم لم يفدِ القول شيئاً لأنه كقولك الذي ضربتُه ضربتُه والتي أكرمتُها أكرمتُها ولكن لما اتصل ب ) أغويناهم ( الثانية قولُه :( كما غوينا ( أفاد الكلام كقولك الذي ضربتُه ضربتُه لأنه جاهل. وقد كان أبو عَلي امتنع في هذه الآية مما أخذناه غير أن الأمر فيها عندي على ما عرفتك اه.
وقد مضى ذلك في سورة القصص وفي سورة الفرقان.