" صفحة رقم ٢٢٣ "
المستقبل البعيد وذلك هو الشائع، ويقصد به في الاستعمال البليغ تحقق حصول الفعل واستمراره ومنه قوله تعالى :( قال سوف أستغفر لكم ربي ( في سورة يوسف، وهو هنا مفيد للتحقق والاستمرار بالنسبة إلى الفعل القابل للاستمرارِ وهو ينقلب إلى أهله مسروراً وهو المقصود من هذا الوعد. وقد تقدم عند قوله تعالى :( فسوف نصليه ناراً في سورة النساء.
والحساب اليسير : هو عَرْض أعماله عليه دون مناقشة فلا يَطول زمنه فيعجَّلُ به إلى الجنة، وذلك إذا كانت أعماله صالحة، فالحساب اليسير كناية عن عدم المؤاخذة.
ومن أوتي كتابه وراء ظهره ( هو الكافر. والمعنى : إنه يؤتى كتابه بشماله كما تقتضيه المقابلة ب ) من أوتي كتابه بيمينه ( وذلك أيضاً في سورة الحاقة قوله :( وأما من أوتي كتابه بشماله فيقول يا ليتني لم أوت كتابيه (، أي يعطى كتابه من خلفه فيأخذه بشماله تحقيراً له ويناول له من وراء ظهره إظهاراً للغضب عليه بحيث لا ينظر مُناوِلُه كتابَه إلى وجهه.
وظرف ) وراء ظهره ( في موضع الحال من ) كتابه ).
و ) ينقلب إلى أهله ( أي يرجع. والانقلاب : الرجوع إلى المكان الذي جيء منه، وقد تقدم قريباً في سورة المطففين.
والأهل : العشيرة من زوجة وأبناء وقرابة.
وهذا التركيب تمثيل لحال المحاسَب حساباً يسيراً في المسرّة والفوز والنجاة بعد العمل الصالح في الدنيا، بحال المسافر لتجارة حين يرجع إلى أهله سالماً رابحاً لما في الهيئة المشبه بها من وفرة المسرة بالفوز والربح والسلامة ولقاء الأهل وكلهم في مسرة، فذلك وجه الشبه بين الهيْأتين وهو السرور المألوف للمخاطبين فالكلام استعارة تمثيلية.
وليس المراد رجوعه إلى منزله في الجنة لأنه لم يكن فيه من قبل حتى يقال لمصيره إليه انقلاب، ولأنه قد لا يكون له أهل. وهو أيضاً كناية عن طول الراحة لأن المسافر إذا رجع إلى أهله فارق المتاعب زمان.