" صفحة رقم ٢٨٨ "
فمادة التفعل للتكلف وبذل الجهد، وأصل ذلك هو التوحيدُ والاستعداد للأعمال الصالحة التي جاء بها الإسلام ويجيء بها، فيشمل زكاة الأموال.
أخرج البزار عن جابر بن عبدالله عن النبي ( ﷺ ) قال :( قد أفلح من تزكى ( قال : من شهد أن لا إلاه إلا الله، وخلع الأنداد، وشهد أني رسول الله، ) وذكر اسم ربه فصلى ( قال : هي الصلوات الخمس والمحافظة عليها والاهتمام بها، وهو قول ابن عباس وعطاء وعكرمة وقتادة.
وقدم التزكّي على ذكر الله والصلاةِ لأنه أصل العمل بذلك كله فإنه إذا تطهرت النفس أشرقت فيها أنوار الهداية فعُلمت منافعها وأكثرت من الإِقبال عليها فالتزكية : الارتياض على قبول الخير والمراد تزكّى بالإِيمان.
وفعل ) ذكر اسم ربه ( يجوز أن يكون من الذّكر اللساني الذي هو بكسر الذال فيكون كلمة ) اسم ربه ( مراداً بها ذكر أسماء الله بالتعظم مثل قول لا إلاه إلا الله، وقول الله أكبر، وسبحان الله، ونحو ذلك على ما تقدم في قوله :( سبح اسم ربك الأعلى ( ( الأعلى : ١ ).
ويجوز أن يكون من الذُّكر بضم الذال وهو حضور الشيء في النفس الذاكرة والمفكرة فتكون كلمة ) اسم ( مقحمة لتدل على شأن الله وصفات عظمته فإن أسماء الله أوصاف كمال.
وتفريع ) فصلى ( على ) ذكر اسم ربه ( على كلا الوجهين لأن الذكر بمعنييه يبعث الذاكر على تعظيم الله تعالى والتقرب إليه بالصلاة التي هي خضوع وثناء.
وقد رتبت هذه الخصال الثلاث على الآية على ترتيب تولدها. فأصلها : إزالة الخباثة النفسية من عقائد باطلة وحديث النفس بالمضمرات الفاسدة وهو المشار إليه بقوله :( تزكى (، ثم استحضارُ معرفة الله بصفات كماله وحكمته ليخافه ويرجوه وهو المشار بقوله :( وذكر اسم ربه ( ثم الإِقبالُ على طاعته وعبادته وهو المشار إليه بقوله :( فصلى ( والصلاةُ تشير إلى العبادة وهي في ذاتها طاعة وامتثال يأتي بعده ما يشرع من الأعمال قال تعالى :( إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر اللَّه أكبر ( ( العنكبوت : ٤٥ ).


الصفحة التالية
Icon