" صفحة رقم ٣٠٤ "
تلك الموجودات العظيمة الأحجام، فكانَ إعراضهم عن النظر مجلبة لما يجشمهم من الشقاوة وما وقع بين هذا التفريع، وبين المفرع عنه من جملة :( وجوه يومئذ ناعمة ( ( الغاشية : ٨ ) كانَ في موقع الاعتراض كما علمت.
فضمير ) ينظرون ( عائد إلى معلوم من سياق الكلام.
والهمزة للاستفهام الإِنكاري إنكاراً عليهم إهمال النظر في الحال إلى دقائق صنع الله في بعض مخلوقاته.
والنظر : نظر العين المفيد الاعتبار بدقائق المنظور، وتعديته بحرف ( إلى ) تنبيه على إمعان النظر ليشعر الناظر مما في المنظور من الدقائق، فإن قولهم نظر إلى كذا أشد في توجيه النظر من نظر كذا، لما في ( إلى ) من معنى الانتهاء حتى كأنَّ النظر انتهى عند المجرور ب ( إلى ) انتهاءَ تمكن واستقرارٍ كما قال تعالى :( فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك ( ( الأحزاب : ١٩ ) وقوله :( إلى ربها ناظرة ( ( القيامة : ٢٣ ).
ولزيادة التنبيه على إنكار هذا الإِهمال قُيّد فعل ) ينظرون ( بالكيفيات المعدودة في قوله :( كيف خلقت (، ) كيف رفعت (، ) كيف نصبت (، ) كيف سطحت ( أي لم ينظروا إلى دقائق هيئات خَلقها.
وجملة :( كيف خلقت ( بدل اشتمال من الإِبل والعامل فيه هو العامل في المبدل منه وهو فعل ) ينظرون ( لاَ حرف الجر، فإن حرف الجر آلة لتعدية الفعل إلى مفعوله فالفعل إن احتاج إلى حرف الجر في التعدية إلى المفعول لا يحتاج إليه في العمل في البدل، وشتان بين ما يقتضيه إعمال المتبوع وما يقتضيه إعمال التابع فكلٌّ على ما يقتضيه معناه وموقعه، فكيف منصوب على الحال بالفعل الذي يليه.
والمعنى والتقديرُ : أفلا ينظرون إلى الإِبللِ هيئةِ خَلْقِها.
وقد عُدّت أشياءُ أربعة هي من النَّاظرين عن كَثب لا تغيب عن أنظارهم، وعُطف بعضها على بعض، فكان اشتراكها في مرْآهم جهةً جامعة بينها بالنسبة إليهم، فإنهم المقصودون بهذا الإِنكار والتوبيخ، فالذي حسَّن اقتران الإِبل مع


الصفحة التالية
Icon