" صفحة رقم ٣٣١ "
وأوثِر الفعل المضارع في الجوابين لإِفادة تكرر ذلك القول وتجدده كلما حصل مضمون الشرطين.
وحرف ) كَلاّ ( زجر عن قول الإِنسان ) ربي أكرمن ( عند حصول النعمة. وقوله :( ربيَ أهانني ( عندما يناله تقتير، فهو ردع عن اعتقاد ذلك فمناط الردع كِلاَ القولين لأن كل قول منهما صادر عن تأول باطل، أي ليست حالة الإنسان في هذه الحياة الدنيا دليلاً على منزلته عند الله تعالى. وإنما يُعرَف مراد الله بالطرق التي أرشد الله إليها بواسطة رسله وشرائعه، قال تعالى :( قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً إلى قوله : فلا نقيم لهم يوم القيامة وزناً ( في سورة الكهف ( ١٠٣ ١٠٥ ). فرب رجل في نعمة في الدنيا هو مسخوط عليه ورب أشعَث أغبر مطرود بالأبواب لو أقسم على الله لأبَرَّهُ.
فمناط الردع جعل الإِنعام علامة على إرادة الله إكرام المنعم عليه وجعل التقتير علامة على إرادة الإِهانة، وليس مناطه وقوع الكرامة ووقوع الإِهانة لأن الله أهان الكافرَ بعذاب الآخرة ولو شاء إهانته في الدنيا لأجل الكفر لأهان جميع الكفرة بتقتير الرزق.
وبهذا ظهر أن لا تنافي بين إثبات إكرام الله تعالى الإِنسان بقوله :( فأكرمه ( وبين إبطال ذلك بقوله :( كلا ( لأن الإِبطال وارد على ما قصده الإِنسان بقوله :( ربي أكرمن ( أن ما ناله من النعمة علامةٌ على رضى الله عنه.
فالمعنى : أن لشأن الله في معاملته الناس في هذا العالم أسراراً وعِللاً لا يُحاط بها، وأن أهل الجهالة بمعزل عن إدراك سرها بأقْيسة وهمية، والاستناد لمألوفات عادية، وأن الأولى لهم أن يتطلبوا الحقائق من دلائلها العقلية، وأن يعرفوا مراد الله من وحيه إلى رسله. وأن يحذروا من أن يحيدوا بالأدلة عن مدلولها. وأن يستنتجوا الفروع من غير أصولها.
وأما أهل العلم فهم يضعون الأشياء مواضعها، ويتوسمون التوسم المستند إلى الهدي ولا يخلطون ولا يخبطون.


الصفحة التالية
Icon