" صفحة رقم ٣٤٧ "
والقسم بالبلدة مع أنها لا تدل على صفة من صفات الذات الإلاهية ولا من صفات أفعاله كنايةٌ عن تعظيم الله تعالى إياه وتفضيله.
وجملة :( وأنت حل بهذا البلد ( معترضة بين المتعاطفات المقسم بها والواو اعتراضية. والمقصود من الاعتراض يختلف باختلاف محمل معنى ) وأنت حل ( فيجوز أن يكون ) حل ( اسم مصدرِ أحَلّ، أي أباح، فالمعنى وقد جعلَك أهلُ مكة حلالاً بهذا البلد الذي يحرم أذى صيده وعَضْدُ شجره، وهم مع ذلك يُحلون قتلك وإخراجَك، قال هذا شُرَحْبيل بن سعد فيكون المقصود من هذا الاعتراض التعجيب من مضمون الجملة وعليه فالإِخبار عن ذات الرسول ( ﷺ ) بوصف ) حِلّ ( يقدر فيه مضاف يعيِّنه ما يصلح للمقام، أي وأنت حلال منك ما حُرِّم من حقِّ ساكن هذا البلد من الحُرمة والأمن. والمعنى التعريض بالمشركين في عدوانهم وظلمهم الرسول ( ﷺ ) في بلد لا يظلمون فيه أحداً. والمناسبة ابتداء القسم بمكة الذي هو إشعار بحرمتها المقتضية حرمة من يحل بها، أي فهم يحرِّمون أن يتعرضوا بأذى للدواب، ويعتدون على رسول جاءهم برسالة من الله.
ويجوز أن يكون ) حِل ( اسماً مشتقاً من الحِلّ وهو ضد المنع، أي الذي لا تَبعة عليه فيما يفعله. قال مجاهد والسدي، أي ما صنعت فيه من شيء فأنت في حلّ أو أنت في حِل مِمن قَاتلك أن تقاتله. وقريب منه عن ابن عباس، أي مهما تمكنتَ من ذلك. فيصدق بالحال والاستقبال. وقال في ( الكشاف ) :( يعني وأنت حل به في المستقبل ونظيره في الاستقبال قوله عز وجل :( إنك ميت وإنهم ميتون ( ( الزمر : ٣٠ )، تقول لمن تَعِدُه بالإِكرام والحباء أنت مكرم محبُوّاً اه.
فهذا الاعتراض تسلية للرسول ( ﷺ ) قُدمت له قبل ذكر إعراض المشركين عن الإِسلام، ووعد بأنه سيمكنه منهم.
وعلى كلا الوجهين في محمل صفة ) حِل ( هو خصوصية للنبيء ( ﷺ ) وقد خصصه النبي ( ﷺ ) بيوم الفتح فقال :( وإنما أحلت لي ساعة من نهار )


الصفحة التالية
Icon