" صفحة رقم ٣٥٠ "
ولان قوة الإِبهام في ) ما ( أنسب بإرادة الجماعة دون واحِدٍ معين، ألا ترى إلى قول الحَكَم الأصم الفَزاري :
اللُّؤْم أكرم من وَبْرٍ ووالدهِ
واللؤْمُ أكرمُ من وَبْر ومَا ولَدَا
يريد ومِن أولاده لا ولداً معيّناً.
وجملة :( لقد خلقنا الإنسان في كبد ( جواب القسم وهو الغرض من السورة.
والإِنسان يجوز أن يراد به الجنس وهو الأظهر وقولُ جمهور المفسرين، فالتعريف فيه تعريف الجنس، ويكون المراد به خصوص أهل الشرك لأن قوله :( أيحسب أن لن يقدر عليه أحد ( ( البلد : ٥ ) إلى آخر الآيات لا يليق إلا بأحوال غير المؤمنين، فالعموم عموم عرفي، أي الإنسان في عُرف الناس يومئذ، ولم يكن المسلمون إلا نفراً قليلاً ولذلك كثر في القرآن إطلاق الإِنسان مراداً به الكافرون من الناس.
ويجوز أن يراد به إنسان معيّن، فالتعريف تعريف العهد، فعن الكلبي أنه أبو الأشدّ ويقال : أبو الأشَدّيْن واسمه أُسَيْد بن كَلْدَةَ الجُمَحِي كان معروفاً بالقوّة والشدة يجعل الأديم العُكَاظي تحت قدميه فيقول : من أزالني فله كذا. فيجذبه عشرةُ رجال حتى يمزَّق الأديم ولا تزول قدماه، وكان شديد الكفر والعداوة للنبيء ( ﷺ ) فنزل فيه :( أيحسب أن لن يقدر عليه أحد ( ( البلد : ٥ ) وقيل : هو الوليد بن المغيرة، وقيل : هو أبو جهل. وعن مقاتل : نزلت في الحارث بن عامر بن نوفل، زعم أنه أنفق مالاً على إفساد أمر النبي ( ﷺ ) وقيل : هو عمرو بن عبد ودّ الذي اقتحم الخندق في يوم الأحزاب ليدخل المدينة فقتله علي بن أبي طالب خلْف الخندق.
وليس لهذه الأقوال شاهد من النقل الصحيح ولا يلائمها القَسَم ولا السياق.
والخلق : إيجاد ما لم يكن موجوداً، ويطلق على إيجاد حالة لها أثر قويّ في الذات كقوله تعالى :( يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقاً من بعد خلق ( ( الزمر : ٦ ) وقوله :( وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير ( ( المائدة : ١١٠ ). فهو جعل يغير ذات الشيء.