" صفحة رقم ٣٦٨ "
أعظم النيرات التي يصل نور شديد منها للأرض، ولما في حالها وحال أضوائها من الإِيماء إلى أنها مثل لظهور الإِيمان بعد الكفر وبث التقوى بعد الفجور فإن الكفر والمعاصي تُمثَّل بالظلمة والإِيمانَ والطاعاتتِ تُمثَّل بالضياء قال تعالى :( ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ( ( المائدة : ١٦ ).
وأعقب القسَمُ بالنهار بالقسم بالليل لأن الليل مقابل وقتَ النهار فهو وقت الإِظلام.
والغشي : التغطية وليس الليل بمغطّ للشمس على الحقيقة ولكنه مسبَّب عن غشي نصف الكرة الأرضية لقرص الشمس ابتداء من وقت الغروب وهو زمن لذلك الغشي. فإسناد الغشي إلى الليل مجاز عقلي من إسناد الفعل إلى زَمنه أو إلى مسببه ( بفتح الباء ).
والغاشي في الحقيقة هو تكوير الأرض ودورانها تُجاه مظهر الشمس وهي الدورة اليومية، وقيل : ضمير المؤنث في ) يغشاها ( عائد إلى الأرض على نحو ما قيل في ) والنهار إذا جلاها ).
و ) إذا ( في قوله :( إذا تلاها ( وقوله :( إذا جلاها ( وقوله :( إذا يغشاها ( في محل نصب على الظرفية متعلقة بكَون هو حال من القمر ومن النهار ومن الليل فهو ظرف مستقر، أي مقسماً بكل واحد من هذه الثلاثة في الحالة الدالة على أعظم أحواله وأشدِها دلالة على عظيم صنع الله تعالى.
وبناء السماء تشبيهٌ لرفعها فوق الأرض بالبناء. والسماء آفاق الكواكب قال تعالى :( لقد خلقنا فوقكم سبعَ طرائق ( ( المؤمنون : ١٧ ) وتقييد القسم بالليل بوقت تغشيته تذكيراً بالعبرة بحدوث حالة الظلمة بعد حالة النور.
وطَحْوُ الأرض : بسطها وتوطئتها للسير والجلوس والاضطجاع، يقال : طحا يَطحو ويطحي طحواً وطَحْياً وهو مرادف ( دحَا ) في سورة النازعات.
و ( النفس ) : ذات الإِنسان كما تقدم عند قوله تعالى :( يا أيتها النفس المطمئنة ( ( الفجر : ٢٧ ) وتنكير ( نفس ) للنوعية أي جنس النفس فيعم كل نفس عموماً بالقرينة على نحو قوله تعالى :( علمت نفس ما قدمت وأخرت ( ( الانفطار : ٥ ).


الصفحة التالية
Icon