" صفحة رقم ٣٩٠ "
وجملة ) لا يصلاها إلا الأشقى ( صفة ثانية أو حال من ) ناراً ( بعد أن وصفت. وهذه نار خاصة أعدت للكافرين فهي التي في قوله :( فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين ( ( البقرة : ٢٤ ) والقرينة على ذلك قوله :( وسيجنبها الأتقى ( الآية.
وذكر القرطبي أن أبا إسحاق الزجاج قال : هذه الآية التي من أجلها قال أهلُ الإِرجاء بالإِرجاء فزعموا : أن لا يدخل النار إلا كافر، وليس الأمر كما ظنوا : هذه نار موصوفة بعينها لا يصلى هذه النار إلا الذي كذب وتولى، ولأهل النار منازل فمنها أن المنافقين في الدرك الأسفل من النار اه.
والمعنى : لا يصلاها إلا أنتم.
وقد أتبع ) الأشقى ( بصفة ) الذي كذب وتولى ( لزيادة التنصيص على أنهم المقصود بذلك فإنهم يعلمون أنهم كذبوا الرسول ( ﷺ ) وتولوا، أي أعرضوا عن القرآن، وقد انحصر ذلك الوصف فيهم يومئذ فقد كان الناس في زمن ظهور الإسلام أحد فريقين : إما كافر وإما مؤمن تقي، ولم يكن الذين أسلموا يغشون الكبائر لأنهم أقبلوا على الإِسلام بشراشرهم، ولذلك عطف ) وسيجنبها الأتقى ( الخ تصريحاً بمفهوم القصر وتكميلاً للمقابلة.
و ) الأشقى ( و ) الأتقى ( مراد بهما : الشديد الشقاء والشديد التقوى ومثله كثير في الكلام.
وذكر القرطبي : أن مالكاً قال : صلّى بنا عمر بن عبد العزيز المغرب فقرأ ) والليل إذا يغشى ( فلما بلغ :( فأنذرتكم ناراً تلظى ( وقع عليه البكاء فلم يقدر يتعدّاها من البكاء فتركها وقرأ سورة أخرى ).
ووصف ) الأشقى ( بصلة ) الذي كذب وتولى (، ووصف ) الأتقى ( بصلة ) الذي يؤتى ماله يتزكى ( للإِيذان بأن للصلة تسبباً في الحكم.
وبين ) الأشقى ( و ) الأتقى ( محسن الجناس المضارع.