" صفحة رقم ٤١٠ "
( صدره ) تعين المشروح المترقَّب فتمكن في الذهن كمال تمكن، وهذا ما أشار إليه في ( الكشاف ) وقفِّي عليه صاحب ( المفتاح ) في مبحث الإِطناب.
والوِزر : الحَرج، ووضْعه : حطَّه عن حامله، والكلام تمثيل لحال إزالة الشدائد والكروب بحال من يحط ثقلاً عن حامله ليريحه من عناء الثقل.
والمعنى : أن الله أزال عنه كل ما كان يتحرج منه من عادات أهل الجاهلية التي لا تلائم ما فَطر الله عليه نفسه من الزكاة والسمو ولا يجد بداً من مسايرتهم عليه فوضع عنه ذلك حين أوحى إليه بالرسالة، وكذلك ما كان يجده في أول بعثته من ثقل الوحي فيسَّره الله عليه بقوله :( سنقرئك فلا تنسى ( إلى قوله :( ونيسرك لليسرى ( ( الأعلى : ٦ ٨ ).
و ) أنقض ( جعل الشيءَ ذا نقيض، والنقيض صوت صرير المحمل والرحْل وصوتُ عظام المفاصل، وفرقعةُ الأصابع، وفعله القاصر من باب نصر ويعدّى بالهمزة.
وإسناد ) أنقض ( إلى الوِزر مجاز عقلي، وتعديته إلى الظهر تَبع لتشبيه المشقة بالحمل، فالتركيب تمثيل لمتجشم المشاققِ الشديدة، بالحَمولة المثقلة بالإِجمال تثقيلاً شديداً حتى يسمع لعظام ظهرها فرقعة وصرير. وهو تمثيل بديع لأنه تشبيه مركب قابل لتفريق التشبيه على أجزائه.
ووصف الوزر بهذا الوصف تكميل للتمثيل بأنه وزر عظيم.
واعلم أن في قوله :( أنقض ظهرك ( اتصالَ حرفي الضاد والظاء وهما متقاربا المخرج فربما يحصل من النطق بهما شيء من الثقل على اللسان ولكنه لا ينافي الفصاحة إذ لا يبلغ مبلغ ما يسمى بتنافر الكلماتتِ بل مثله مغتفر في كلام الفصحاء. والعرب فُصحاء الألسن فإذا اقتضى نظم الكلام ورود مثل هذين الحرفين المتقاربين لم يعبأ البليغ بما يعرض عند اجتماعهما من بعض الثقل، ومثل ذلك قوله تعالى :( وسبحه ( ( الإنسان : ٢٦ ) في اجتماع الحاء مع الهاء، وذلك حيث لا يصح الإدغام. وقد أوصى علماء التجويد بإظهار الضاد مع الظاء إذا تلاقيا كما في هذه الآية وقوله :( ويوم يعض الظالم ( ( الفرقان : ٢٧ ) ولها نظائر في القرآن.


الصفحة التالية
Icon