" صفحة رقم ٤٢١ "
ولكن مناسبة ذكر هذَيْن مع ) طور سنين ( ومع ) البلد الأمين ( تقتضي أن يكون لهما محمل أوفق بالمناسبة فروي عن ابن عباس أيضاً تفسير التين بأنه مَسجد نوح الذي بني على الجُودي بعد الطوفان. ولعل تسمية هذا الجبل التين لكثرته فيه إذ قد تسمى الأرض باسم ما يكثر فيها من الشجر كقول امرىء القيس :
أَمَرْخٌ ديارُهم أم عُشَرْ
وسمي بالتين موضع جاء في شعر النابغة يصف سحابَات بقوله :
صُهْب الظِّلال أتَيْنَ التينَ في عُرُضٍ
يَزجين غَيماً قَليلاً ماؤُه شَبِما
والزيتون يطلق على الجبل الذي بُني عليه المسجد الأقصى لأنه ينبت الزيتون. وروي هذا عن ابن عباس والضحاك وعبد الرحمن بن زيد وقتادة وعكرمة ومحمد بن كعب القرظِي. ويجوز عندي أن يكون القَسَم ب ) التين والزيتون ( معنياً بهما شجر هاتين الثمرتين، أي اكتسب نوعاهما شرفاً من بين الأشجار يكون كثير منه نابتاً في هذين المكانين المقدسين كما قال جرير :
أتذكرُ حين تصقِل عارضَيْها
بفرع بشامة سُقي البشام
فدعا لنوع البشام بالسّقي لأجل عود بَشَامَةَ الحَبِيبة.
وأما ) طور سينين ( فهو الجبل المعروف ب ( طور سينا ). والطور : الجبل بلغة النبَط وهم الكنعانيون، وعرف هذا الجبل ب ) طور سينين ( لوقوعه في صحراء ( سينين )، و ( سينين ) لغة في سِين وهي صحراء بين مصر وبلاد فلسطين. وقيل : سينين اسم الأشجار بالنبطية أو بالحبشية، وقيل : معناه الحسن بلغة الحبشة.
وقد جاء تعريبه في العربية على صيغة تشبه صيغة جمع المذكر السالم وليس بجمع، مجاز في إعرابه أن يعرب مثل إعراب جمع المذكر بالواو نيابة عن الضمة، أو الياء نيابة عن الفتحة أو الكسرة، وأن يحكى على الياء مع تحريك نونه بحركات الإِعراب مثل : صِفِّين ويَبْرِين وقد تقدم عند قوله تعالى :( والطور وكتاب مسطور ( ( الطور : ١، ٢ ).


الصفحة التالية
Icon