" صفحة رقم ٤٢٦ "
واقتصر النبي ( ﷺ ) على الأبوين لأنهما أقوى أسباب الزج في ضلالتهما، وأشد إلحاحاً على ولدهما.
ولم يعرج المفسرون قديماً وحديثاً على تفسير التقويم بهذا المعنى العظيم فقصروا التقويم على حسن الصورة. وروي عن ابن عباس ومجاهد وقتادة والكلبي وإبراهيم وأبي العالية، أو على استقامة القامة. وروي عن ابن عباس، أو على الشباب والجلادة، وروي عن عكرمة وابن عباس.
ولا يلائم مقصد السورة إلا أن يتأول بأن ذلك ذكر نعمة على الإنسان عكس الإنسان شكرها فكفر بالمنعم فرد أسفل سافلين، سوى ما حكاه ابن عطية عن الثعلبي عن أبي بكر بن طاهر أنه قال :( تقويم الإنسان عقله وإدراكه اللذان زيّناه بالتمييز ) ولفظه عند القرطبي قريب من هذا مع زيادة يتناول مأكوله بيده وما حكاه الفخر عن الأصم أن ) أحسن تقويم ( أكمل عقل وفهم وأدب وعلم وبيان ).
وتفيد الآية أن الإِنسان مفطور على الخير وأن في جبلته جلب النفع والصلاح لنفسه وكراهة ما يظنّه باطلاً أو هلاكاً، ومحبة الخير والحسن من الأفعال لذلك تراه يسر بالعدل والإِنصاف، وينصح بما يراه مجلبة لخير غيره، ويغيث الملهوف ويعامل بالحسنى، ويغار على المستضعفين، ويشمئزّ من الظلم ما دام مجرداً عن رَوْم نفع يجلبه لنفسه أو إرضاء شهوة يريد قضاءها أو إشفاء غضب يجيش بصدره، تلك العوارض التي تحول بينه وبين فطرته زمناً، ويهش إلى كلام الوعّاظ والحكماء والصالحين ويكرمهم ويعظمهم ويودّ طول بقائهم.
فإذا ساورتْه الشهوة السيئة فزينت له ارتكاب المفاسد ولم يستطع ردها عن نفسه انصرف إلى سوء الأعمال، وثقْل عليه نصح الناصحين، ووعظُ الواعظين على مراتب في كراهية ذلك بمقدار تحكم الهوى في عقله.


الصفحة التالية
Icon