" صفحة رقم ٤٢٨ "
أو مَن يحسب الزمان إلاهاً ويسميه الدهر، أو من يجحد وجود الصانع وهو يشاهد مصنوعاته ويحس بوجود نفسه قال تعالى :( وفي أنفسكم أفلا تبصرون ( ( الذاريات : ٢١ ).
فإن ملت إلى جانب الأخلاق رأيت الإِنسان يبلغ به انحطاطه إلى حضيض التسفل، فمِن مَلَق إذا طمِع، ومن شُحّ إذا شجع، ومن جزع إذا خاف، ومن هلع، فكم من نفوس جُعلت قرابين للآلهة، ومن أطفال موءودة، ومن أزواج مقذوفة في النار مع الأموات من أزواجهن، فهل بعد مثل هذا من تسفل في الأخلاق وأفن الرأي.
وإسناد الرد إلى الله تعالى إسناد مجازي لأنه يكوّن الأسبابَ العالية ونظامَ تفاعلها وتقابلها في الأسباب الفرعية، حتى تصل إلى الأسباب المباشرة على نحو إسناد مدّ وقبض الظل إليه تعالى في قوله :( ألم تر إلى ربك كيف مد الظل إلى قوله : ثم قبضناه إلينا قبضاً يسيراً ( ( الفرقان : ٤٥، ٤٦ ) وعلى نحو الإِسناد في قول الناس : بنَى الأمير مدينةَ كذا.
ويجوز أن يكون ) أسفل سافلين ( ظرفاً، أي مكاناً أسفلَ مَا يسكنه السافلون، فإضافة ) أسفل ( إلى ) سافلين ( من إضافة الظرف إلى الحالِّ فيه، وينتصب ) أسفل ( ب ) رددناه ( انتصاب الظرف أو على نزع الخافض، أي إلى أسفل سافلين، وذلك هو دار العذاب كقوله :( إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ( ( النساء : ١٤٥ ) فالرد مستعار لمعنى الجعل في مكان يستحقه، وإسناد الرد إلى الله تعالى على هذا الوجه حقيقي.
وأحسب أن قوله تعالى :( ثم رددناه أسفل سافلين ( انتزَع منه مالك رحمه الله ما ذكره عياض في ( المدارك ) قال : قال ابن أبي أويس : قال مالك : أقبلَ عليَّ يوماً ربيعة فقال لي : مَن السَّفلة يا مالك ؟ قلت : الذي يأكل بدينه، قال لي : فمن سفلة السفلة ؟ قلت : الذي يأكل غيرُه بدينه. فقال :( زِهْ ) وصدَرني ( أي


الصفحة التالية
Icon