" صفحة رقم ٤٥٦ "
وتفضيلُ الليلة التي توافق ليلةَ إنزاله من كل عام.
ويستتبع ذلك تحريض المسلمين على تحيّن ليلة القدر بالقيام والتصدق.
) إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِى لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَمَآ أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ سَلَامٌ هِىَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (
اشتملت هذه الآية على تنويه عظيم بالقرآن فافتتحت بحرف ( إنَّ ) وبالإِخبار عنها بالجملة الفعلية، وكلاهما من طرق التأكيد والتقوّي.
ويفيد هذا التقديم قصراً وهو قصر قلب للرد على المشركين الذي نفوا أن يكون القرآن منزلاً من الله تعالى.
وفي ضمير العظمة وإسناد الإِنزال إليه تشريف عظيم للقرآن.
وفي الإِتيان بضمير القرآن دون الاسم الظاهر إيماء إلى أنه حاضر في أذهان المسلمين لشدة إقبالهم عليه فكون الضمير دون سبق معاد إيماء إلى شهرته بينهم.
فيجوز أن يراد به القرآنُ كلُّه فيكون فعل :( أنزلنا ) مستعملاً في ابتداء الإِنزال لأن الذي أُنزل في تلك الليلة خمس الآيات الأول من سورة العلق ثم فتر الوحي ثم عاد إنزاله منجماً ولم يكمل إنزال القرآن إلا بعد نيف وعشرين سنة، ولكن لما كان جميع القرآن مقرراً في علم الله تعالى مقدارُه وأنه ينزل على النبي ( ﷺ ) منجَّماً حتى يتم، كان إنزاله بإنزال الآيات الأُول منه لأن ما ألحق بالشيء يعد بمنزلة أوله فقد قال النبي ( ﷺ ) ( صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه ) الحديث فاتفق العلماء على أن الصلاة فيما أُلْحق بالمسجد النبوي لها ذلك الفضل، وأن الطواف في زيادات المسجد الحرام يصحّ كلما اتّسع المسجد.
ومن تسديد ترتيب المصحف أن وضعت سورة القدر عقب سورة العلق مع أنها أقلّ عدَد آياتتٍ من سورة البينة وسُورٍ بعدها، كأنه إماء إلى أن الضمير في ) أنزلناه ( يعود إلى القرآن الذي ابتدىء نزوله بسورة العلق.
ويجوز أن يكون الضمير عائداً على المقدار الذي أنزل في تلك الليلة وهو


الصفحة التالية
Icon