" صفحة رقم ٤٦٢ "
السنوات لاقتُصر على بيان فضل تلك الليلة الأولى ولما كانت حاجة إلى تَنزّل الملائكة فيها، ولا إلى تعيين منتهاها.
وهذا تعليم للمسلمين أن يَعظموا أيام فضلهم الديني وأيام نَعم الله عليهم، وهو مماثل لما شرع الله لموسى من تفضيل بعض أيام السنين التي توافق أياماً حصلت فيها نعم عظمى من الله على موسى قال تعالى :( وذكرهم بأيام اللَّه ( ( إبراهيم : ٥ ) فينبغي أن تعد ليلة القدر عيد نزول القرآن.
وحكمة إخفاء تعيينها إرادةُ أن يكرر المسلمون حسناتهم في ليال كثيرة توخياً لمصادفة ليلة القدر كما أخفيت ساعةُ الإِجابة يوم الجمعة.
هذا محصّل ما أفاده القرآن في فضل ليلة القدر من كل عام ولم يبين أنها أيَّةُ ليلة، ولا من أي شهر، وقد قال تعالى :( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن ( ( البقرة : ١٨٥ ) فتبين أن ليلة القدر الأولى هي من ليالي شهر رمضان لا محالة، فبنا أن نتطلب تعيين ليلة القدر الأولى التي ابتدِىء إنزال القرآن فيها لنطلب تعيين ما يماثلها من ليالي رمضان في جميع السّنين، وتعيين صفة المماثلة، والمماثلةُ تكون في صفات مختلفة فلا جائز أن تُماثلها في اسم يومها نحو الثلاثاء أو الأربعاء، ولا في الفصل من شتاءٍ أو صيف أو نحو ذلك مما ليس من الأحوال المعتبرة في الدين، فعلينا أن نتطلب جهة من جهات المماثلة لها في اعتبار الدين وما يرضي الله. وقد اختُلف في تعيين المماثلة اختلافاً كثيراً وأصح ما يعتمد في ذلك : أنها من ليالي شهر رمضان من كل سنة وأنها من ليالي الوتر كما دل عليه الحديث الصحيح :( تحروا ليلة القدر في الوتر في العشر الأواخر من رمضان ).
والوتر : أفضل الأعداد عند الله كما دل عليه حديث :( إن الله وِتر يحب الوتر ).
وأنّها ليست ليلة معينة مطّردة في كل السنين بل هي متنقلة في الأعوام، وأنها في رمضان وإلى هذا ذهب مالك والشافعي وأحمد وأكثر أهل العلم قال ابن رشيد : وهو أصح الأقاويل وأوْلاها بالصواب. وعلَى أنها متنقلة في الأعوام فأكثر أهل العلم على أنها لا تخرج عن شهر رمضان. والجمهور على أنها لا تخرج عن العشر الأواخر منه، وقال جماعة : لا تخرج عن العَشْر الأوَاسط، والعَشْر الأواخر.


الصفحة التالية
Icon