" صفحة رقم ٤٧٠ "
نزول هذه الآيات بسنين وهم مستمرون على ما هم عليه : هؤلاء على كفرهم، وهؤلاء على شركهم.
وإذ قد تقرر وجه الإِشكال وكان مظنوناً أنه ملحوظ للمفسرين إجمالاً أو تفصيلاً فقد تعين أن هذا الكلام ليس وارداً على ما يتبادر من ظاهره في مفرداته أو تركيبه، فوجب صرفه عن ظاهره، إما بصرف تركيب الخَبر عن ظاهر الإِخبار وهو إفادة المخاطَب النسبة الخبرية التي تضمنها التركيب، بأن يُصرف الخبر إلى أنه مستعمل في معنى مجازي للتركيب. وإمّا بصرف بعض مفرداته التي اشتمل عليها التركيب عن ظاهر معناها إلى معنى مجازٍ أو كناية.
فمن المفسرين من سلك طريقة صرف الخبر عن ظاهره. ومنهم من أبقوا الخبر على ظاهر استعماله وسلكوا طريقة صرف بعض كلماته عن ظاهر معانيها وهؤلاء منهم من تأول لفظ ) منفكين ( ومنهم من تأول معنى ) حتى ( ومنهم من تأول ) رسول (، وبعضهم جوز في ) البينة ( وجهين.
وقد تعددت أقوال المفسرين فبلغت بضعَة عشر قولاً ذكر الآلوسي أكثرها وذكر القرطبي مُعظمها غيرَ معزُو، وتداخل بعض ما ذكره الآلوسي وزاد أحدهما ما لم يذكره الآخر.
ومراجع تأويل الآية تَؤُول إلى خمسة :
الأول : تأويل الجملة بأسرها بأن يُؤوَّل الخبر إلى معنى التوبيخ والتعجيب، وإلى هذا ذهب الفراء ونفطويه والزمخشري.
الثاني : تأويل معنى ) منفكين ( بمعنى الخروج عن إمهال الله إياهم ومصيرهم إلى مؤاخذتهم، وهو لابن عطية.
الثالث : تأويل متعلِّق ) منفكين ( بأنه عن الكفر وهو لعبد الجَبَّار، أو عن الاتفاق على الكفر وهو للفخر وأبي حيّان. أو منفكين عن الشهادة للرسول ( ﷺ ) بالصدق قبل بعثته وهو لابن كيسان عبد الرحمن الملقب بالأصم، أو منفكين عن الحياة، أي هالكين، وعُزي إلى بعض اللغويين.


الصفحة التالية
Icon