" صفحة رقم ٤٧٤ "
المسكونة شهادةً لجميع الأمم ثم يأتي المنتهى )، أي نهاية الدنيا ( متّى الإصحاح الرابع والعشرون )، أي فهو خاتم الرسل كما هو بين.
وكان أحبارُهم قد أساءوا التأويل للبشارات الواردة في كتبهم بالرسول المقفِّي وأدْخَلوا علامات يعرفون بها الرسول ( ﷺ ) الموعود به هي من المخترعات الموهومة فبقي مَنْ خَلْفَهم ينتظرون تلك المخترعات فإذا لم يجدوها كذَّبوا المبعوث إليهم.
و ) البينة ( : الحجة الواضحة والعلامة على الصدق وهو اسم منقول من الوصف جرى على التأنيث لأنه مؤول بالشهادة أو الآية.
ولعل إيثار التعبير بها هنا لأنها أحسن ما تترجَم به العبارةُ الواقعة في كتب أهل الكتاب مما يحوم حول معنى الشهادة الواضحة لكل متبصر كما وقع في إنجيل متّى لفظ ( شهادة لجميع الأمم )، ( ولعل التزام هذه الكلمة هنا مرتين كان لهذه الخصوصية ) وقد ذُكرت مع ذكر الصحف الأولى في قوله :( وقالوا لولا يأتينا بآية من ربه أو لمْ تأتهم بينةُ ما في الصُّحف الأولى ( ( طه : ١٣٣ ).
والظاهر أن التعريف في ) البينة ( تعريف العهد الذهني، وهو أن يراد معهود بنوعه لا بشخصه كقولهم : ادخُل السوق، لا يريدون سوقاً معينة بل ما يوجد فيه ماهية سوق، ومنه قول زهير :
وما الحَرْب إلاّ ما عَلِمْتُم وذُقْتُم
ولذلك قال علماء البلاغة : إن المعرَّف بهذه اللام هو في المعنى نكرة فكأنه قيل حتى تأتيهم بينةٌ.
ويجوز أن يكون التعريف لمعهود عند المخبَر عنهم، أي البينة التي هي وصايا أنبيائهم فهي معهودة عند كل فريق منهم وإن اختلفوا في تخيلها وابتعدوا في توهمها بما تمليه عليه تخيلاتهم واختلاقهم.
وأوثرت كلمة ) البينة ( لأنها تعبر عن المعنى الوارد في كلامهم ولذلك نرى مادَّتها متكررة في آيات كثيرة من القرآن في هذا الغرض كما في قوله :( أوَلَمْ تأتهم بينة ما في الصحف الأولى ( ( طه : ١٣٣ ) وقوله :( فلما جاءهم بالبينات قالوا هذا سحر


الصفحة التالية
Icon