" صفحة رقم ٤٧٧ "
والصحف : الأوراق والقراطيس التي تُجعل لأن يكتب فيها، وتكون من رَق أو جلد، أو من خِرَق. وتسمية ما يتلوه الرسول ) صحفاً ( مجاز بعلاقة الأيلولة لأنه مأمور بكتابته فهو عند تلاوته سيكون صُحفاً، فهذا المجاز كقوله :( إني أراني أعصر خمراً ( ( يوسف : ٣٦ ). وهذا إشارة إلى أن الله أمر رسوله ( ﷺ ) بكتابة القرآن في الصحف وما يشبه الصحف من أكتاففِ الشاء والخِرَق والحجارة، وأن الوحي المنزل على الرسول سمي كتاباً في قوله تعالى :( أو لم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم ( ( العنكبوت : ٥١ ) لأجل هذا المعنى.
وتعدية فعل ) يتلو ( إلى ) صحفاً ( مجاز مرسل مشهور ساوى الحقيقة قال تعالى :( وما كنت تتلو من قبله من كتاب ( ( العنكبوت : ٤٨ )، وهو باعتبار كون المتلو مكتوباً، وإنما كان رسول الله ( ﷺ ) يتلو عليهم القرآن عن ظهر قلب ولا يقرأه من صحف فمعنى ) يتلو صحفاً ( يتلو ما هو مكتوب في صحف والقرينة ظاهرة وهي اشتهار كونه ( ﷺ ) أمِّيّاً.
ووصف الصحف ب ) مطهرة ( وهو وصف مشتق من الطهارة المجازية، أي كون معانيه لا لبس فيها ولا تشتمل على ما فيه تضليل، وهذا تعريض ببعض ما في أيدي أهل الكتاب من التحريف والأوهام.
ووصف الصحف التي يتلوها رسول الله ( ﷺ ) لأن فيها كتباً، والكتب : جمع كتاب، وهو فِعال اسم بمعنى المكتوب، فمعنى كون الكتب كائنة في الصحف أن الصحف التي يكتب فيها القرآن تشتمل على القرآن وهو يشتمل على ما تضمنته كتب الرسل السابقين مما هو خالص من التحريف والباطل، وهذا كما قال تعالى :( مصدق لما بين يديه ( ( البقرة : ٩٧ ) وقال :( إن هذا لفي الصحف الأولى صحف إبراهيم وموسى ( ( الأعلى : ١٨، ١٩ )، فالقرآن زُبدة ما في الكتب الأولى ومجمع ثمرتها، فأطلق على ثمرة الكتب اسم كتب على وجه مجاز الجزئية.
والمراد بالكتب أجزاء القرآن أو سوره فهي بمثابة الكتب.
والقيِّمة : المستقيمة، أي شديدة القيام الذي هو هنا مجاز في الكمال والصواب وهذا من تشبيه المعقول بالمحسوس تشبيهاً بالقائم لاستعداده للعمل النافع، وضده العِوَج قال تعالى :( الحمد للَّه الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عِوجاً


الصفحة التالية
Icon