" صفحة رقم ٤٨٦ "
وقوله :( خالدين فيها أبداً ( بشارة بأنها مسكنهم الخالد.
ووصف الجنات ب ) تجري من تحتها الأنهار ( لبيان منتهى حسنها.
وجَرْيُ النهر مستعار لانتقال السيْل تشبيهاً لسرعة انتقال الماء بسرعة المشي.
والنهر : أخدود عظيم في الأرض يسيل فيه الماء فلا يطلق إلا على مجموع الأخدود ومائه. وإسناد الجري إلى الأنهار توسع في الكلام لأن الذي يجري هو ماؤها وهو المعتبر في ماهية النهر.
وجعل جزاء الجماعة جمعَ الجنات فيجوز أن يكون على وجه التوزيع، أي لكل واحد جنة كقوله تعالى :( يجعلون أصابعهم في آذانهم ( ( البقرة : ١٩ ) وقولك : ركب القوم دوابَّهم، ويجوز أن يكون لكل أحد جنات متعددة والفضل لا ينحصر قال تعالى :( ولمن خاف مقام ربه جنتان ( ( الرحمن : ٤٦ ).
وجملة :( رضي الله عنهم ( حال من ضمير ) خالدين (، أي خالدين خلوداً مقارناً لرضى الله عنهم، فهم في مدة خلودهم فيها محفوفون بآثار رضى الله عنهم، وذلك أعظم مراتب الكرامة قال تعالى :( ورضوان من اللَّه أكبر ( ( التوبة : ٧٢ ) ورِضَى الله تعلق إحسانه وإكرامه لعبده.
وأما الرضى في قوله :( ورضوا عنه ( فهو كناية عن كونهم نالهم من إحسان الله ما لا مطلب لهم فوقه كقول أبي بكر في حديث الغار :( فشَرب حتى رضيتَ )، وقول مخرمة حين أعطاه رسول الله ( ﷺ ) قَباءً :( رَضِيَ مخرمة ). وزاده حُسْن وقع هنا ما فيه من المشاكلة.
تذييل آت على ما تقدم من الوعد للذين آمنوا والوعيد للذين كفروا بُيّن به سبب العطاء وسبب الحرمان وهو خشية الله تعالى بمنطوق الصلة ومفهومها.
والإِشارة إلى الجزاء المذكور في قوله :( جزاؤهم عند ربهم ( يعني أن السبب الذي أنالهم ذلك الجزاء هو خشيتهم الله فإنهم لما خشوا الله توقعوا غضبه إذا لم


الصفحة التالية
Icon