" صفحة رقم ٥٢٣ "
لا يَكشف الغَمَّاء إلا ابنُ حرة
يَرى غمراتتِ الموْتتِ ثُمَّ يَزُورُها
وأُكد ذلك بقوله :( ثم لترونها عين اليقين ( قصداً لتحقيق الوعيد بمعناه الكنائي. وقد عطف هذا التأكيد ب ) ثم ( التي هي للتراخي الرتبي على نحو ما قررنَاهُ آنفاً في قوله :( ثم كلا سوف تعلمون ( ( التكاثر : ٤ )، وليس هنالك رؤيتان تقع إحداهما بعد الأخرى بمُهلة.
و ) عينَ اليقين ( : اليقين الذي لا يشوبه تردد. فلفظ عين مجاز عن حقيقة الشيء الخالصة غير الناقصة ولا المشابهة.
وإضافة ) عين ( إلى ) اليقين ( بيانية كإضافة ) حق ( إلى ) اليقين ( في قوله تعالى :( إن هذا لهو حق اليقين ( ( الواقعة : ٩٥ ).
وانتصب ) عين ( على النيابة عن المفعول المطلق لأنه في المعنى صفة لمصدر محذوف، والتقدير. ثم لترونها رؤيةَ عين اليقين.
وقرأه الجمهور :( لترون الجحيم ( بفتح المثناة الفوقية، وقرأه ابن عامر والكسائي بضم المثناة من ( أراه ).
وأمَّا ) لترونها ( فلم يختلف القراء في قراءته بفتح المثناة.
وأشار في ( الكشاف ) إلى أن هذه الآيات المفتتحة بقوله :( كلا سوف تعلمون ( ( التكاثر : ٣ ) والمنتهية بقوله :( عين اليقين (، اشتملت على وجوه من تقوية الإِنذار والزجر، فافتتحت بحرف الردع والتنبيه، وجيء بعده بحرف ) ثم ( الدال على أن الإِنذار الثاني أبلغ من الأول. وكرر حرف الردع والتنبيه، وحُذف جواب ) لو تعلمون ( ( التكاثر : ٥ ) لما في حذفه من مبالغة التهويل، وأُتي بلام القسم لتوكيد الوعيد. وأكد هذا القسم بقسم آخر، فهذه ستة وجوه.
وأقول زيادة على ذلك : إن في قوله :( عين اليقين ( تأكيدين للرؤية بأنها يقين وأن اليقين حقيقة. والقول في إضافة ) عين اليقين ( كالقول في إضافة ) علم اليقين ( ( التكاثر : ٥ ) المذكور آنفاً.