" صفحة رقم ٥٣١ "
لأنه يستغرق أفراد النوع الإِنساني الموجودين في زمن نزول الآية وهو زمن ظهور الإِسلام كما علمت قريباً. ومخصوص بالناس الذين بلغتهم الدعوة في بلاد العالم على تفاوتها. ولما استُثني منه الذين آمنوا وعملوا الصالحات بقي حكمه متحققاً في غير المؤمنين كما سيأتي...
والخُسر : مصدر وهو ضد الربح في التجارة، استعير هنا لسوء العاقبة لمن يظن لنفسه عاقبةً حسنة، وتلك هي العاقبة الدائمة وهي عاقبة الإِنسان في آخرته من نعيم أو عذاب.
وقد تقدم في قوله تعالى ) فما ربحت تجارتهم في سورة البقرة وتكررت نظائره من القرآن آنفاً وبَعيداً.
والظرفية في قوله : لفي خسر ( مجازية شبهت ملازمة الخسر بإحاطة الظرف بالمظروف فكانت أبلغ من أن يقال : إن الإنسان لخاسر.
ومجيء هذا الخبر على العموم مع تأكيده بالقَسم وحرففِ التوكيد في جوابه، يفيد التهويل والإِنذار بالحالة المحيطة بمعظم الناس.
وأعقب بالاستثناء بقوله :( إلا الذين آمنوا ( الآية فيتقرر الحكم تاماً في نفس السامع مبيناً أن الناس فريقان : فريق يلحقه الخسران، وفريق لا يلحقه شيء منه، فالذين آمنوا وعملوا الصالحات لا يلحقهم الخسران بحال إذا لم يتركوا شيئاً من الصالحات بارتكاب أضدادها وهي السيئات.
ومن أكبر الأعمال الصالحات التوبة من الذنوب لمقترفيها، فمن تحقق فيه وصف الإِيمان ولم يعمل السيئات أو عملها وتاب منها فقد تحقق له ضد الخسران وهو الربح المجازي، أي حسن عاقبة أمره، وأما من لم يعمل الصالحات ولم يتب من سيئاته فقد تحقق فيه حكم المستثنى منه وهو الخسران.
وهذا الخسر متفاوت فأعظمه وخالده الخسر المنجر عن انتفاء الإِيمان بوحدانية الله وصدق الرسول ( ﷺ ) ودون ذلك تكونُ مراتب الخسر متفاوتة بحسب كثرة الأعمال السيئة ظاهرها وباطنها. وما حدده الإِسلام لذلك من مراتب الأعمال


الصفحة التالية
Icon