" صفحة رقم ٥٤٤ "
أظهر غضبه عليهم فعذبهم لأنهم ظلموا بطمعهم في هدم مسجد إبراهيم وهو عندهم في كتابهم، وذلك ما سماه الله كيداً، وليكون ما حلّ بهم تذكرة لقريش بأن فاعل ذلك هو رب ذلك البيت وأن لا حظّ فيه للأصنام التي نصبوها حوله.
وتنبيه قريش أو تذكيرهم بما ظهر من كرامة النبي ( ﷺ ) عند الله إذ أهلك أصحاب الفيل في عام ولادته.
ومن وراء ذلك تثبيت النبي ( ﷺ ) بأن الله يدفع عنه كيد المشركين فإن الذي دفع كيد من يكيد لبيته لأحَقُّ بأن يدفع كيد من يكيد لرسوله ( ﷺ ) ودينه ويشعر بهذا قوله :( ألم يجعل كيدهم في تضليل ( ( الفيل : ٢ ).
ومن وراء ذلك كله التذكير بأن الله غالب على أمره، وأن لا تغُر المشركين قُوتُهم ووفرة عددهم ولا يوهن النبي ( ﷺ ) تألبُ قبائلهم عليه فقد أهلك الله من هو أشد منهم قوة وأكثرُ جمعاً.
ولم يتكرر في القرآن ذكر إهلاك أصحاب الفيل خلافاً لقصص غيرهم من الأمم لوجهين : أحدهما أن إهلاك أصحاب الفيل لم يكن لأجل تكذيب رسول من الله، وثانيهما أن لا يَتخذ منه المشركون غروراً بمكانةٍ لهم عند الله كغرورهم بقولهم المحكي في قوله تعالى :( أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن باللَّه واليوم الآخر ( ( التوبة : ١٩ ) الآية وقوله :( وهم يصدون عن المسجد الحرام وما كانوا أولياءه إن أولياؤه إلا المتقون ولكن أكثرهم لا يعلمون ( ( الأنفال : ٣٤ ).
) أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِى تَضْلِيلٍ وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولِ (
استفهام تقريري وقد بيّنّا غير مرة أن الاستفهام التقريري كثيراً ما يكون على نفي المقرَّر بإثباته للثقة بأن المقرَّر لا يسعه إلا إثبات المنفي وانظر عند قوله تعالى :( ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم في سورة البقرة. والاستفهام التقريري هنا مجاز بعلاقة اللزوم وهو مجاز كثر استعماله في كلامهم فصار كالحقيقة لشهرته. وعليه فالتقرير مستعمل مجازاً في التكريم إشارة إلى أن ذلك كان إرهاصاً للنبيء فيكون من باب قوله : لا أقسم بهذا البلد وأنت حل بهذا البلد ( ( البلد : ١، ٢ )،


الصفحة التالية
Icon