" صفحة رقم ٥٤٩ "
الشديدة، أي أبطل كيدهم بتضليل، أي مصاحباً للتضليل لا يفارقه، والمعنى : أنه أبطله إبطالاً شديداً إذ لم ينتفعوا بقوتهم مع ضعف أهل مكة وقلة عددهم. وهذا كقوله تعالى :( وما كيد فرعون إلا في تباب ( ( غافر : ٣٧ ) أي ضياع وتلف، وقد شمل تضليلُ كيدهم جميعَ ما حلّ بهم من أسباب الخيبة وسوء المنقلب.
وجملة :( وأرسل عليهم طيراً أبابيل ( يجوز أن تجعل معطوفة على جملة ) فَعَل ربك بأصحاب الفيل ( ( الفيل : ١ )، أي وكيف أرسل عليهم طيراً من صفتها كَيْت وكَيْت، فبعد أن وقع التقرير على ما فَعل الله بهم من تضليل كيدهم عطف عليه تقرير بعلم ما سُلط عليهم من العقاب على كيدهم تذكيراً بما حلّ بهم من نقمة الله تعالى، لقصدهم تخريب الكعبة، فذلك من عناية الله ببيته لإظهار توطئته لبعثة رسوله ( ﷺ ) بدينه في ذلك البلد، إجابة لدعوة إبراهيم عليه السلام، فكما كان إرسال الطير عليهم من أسباب تضليل كيدهم، كان فيه جزاء لهم، ليعلموا أن الله مانع بيته، وتكون جملة :( ألم يجعل كيدهم في تضليل ( معترضة بين الجملتين المتعاطفتين.
ويجوز أن تجعل ) وأرسل عليهم ( عطفاً على جملة ) ألم يجعل كيدهم في تضليل ( فيكون داخلاً في حيز التقرير الثاني بأن الله جعل كيدهم في تضليل، وخص ذلك بالذكر لجمعه بين كونه مبطلاً لكيدهم وكونه عقوبة لهم، ومَجيئهُ بلفظ الماضي باعتبار أن المضارع في قوله :( ألم يجعل كيدهم في تضليل ( قُلب زمانه إلى المضي لدخول حرف ) لم ( كما تقدم في قوله تعالى :( ألم يجدك يتيماً فآوى ووجدك ضالاً فهدى في سورة الضحى ( ٦، ٧ )، فكأنه قيل : أليس جعَل كيدهم في تضليل.
والطير : اسم جمع طائر، وهو الحيوان الذي يرتفع في الجو بعمل جناحيه. وتنكيره للنوعية لأنه نوع لم يكن معروفاً عند العرب. وقد اختلف القصّاصون في صفته اختلافاً خيالياً. والصحيح ما رُوي عن عائشة : أنها أشبه شيء بالخطاطيف، وعن غيرها أنها تشبه الوطواط.
وأبابيل ( : جماعات. قال الفراء وأبو عبيدة : أبابيل اسم جمع لا واحد له من لفظه مثل عباديد وشماطيط وتبعهما الجوهري، وقال الرُّؤَاسي والزمخشري : واحد


الصفحة التالية
Icon