" صفحة رقم ٥٨٣ "
المعنى السابق وتأكيده، تبعاً لمدلول الجملة لا لموقعها، لأن موقعها أنها عطف على جملة :( ولا أنتم عابدون ما أعبد ( وليست توكيداً لجملة :( لا أعبد ما تعبدون ( بمرادفها لأن التوكيد للفظ بالمرادف لا يعرف إلا في المفردات ولأن وجود الواو يُعيِّن أنها معطوفة إذ ليس في جملة :( لا أعبد ما تعبدون ( واو حتى يكون الواو في هذه الجملة مؤكداً لها.
ولا يجوز الفصل بين الجملتين بالواو لأن الواو لا يفصل بها بين الجملتين في التوكيد اللفظي. والأجود الفصل ب ( ثم ) كما في ( التسهيل ) مقتصراً على ( ثُم ). وزاد الرضي الفَاء ولم يأت له بشاهد ولكنه قال :( وقد تكون ( ثم ) والفاء لمجرد التدرج في الارتقاء وإن لم يكن المعطوف مترتباً في الذكر على المعطوف عليه وذلك إذا تكرر الأول بلفظه نحو : بالله، فالله، ونحو واللَّهِ ثم واللَّهِ ).
وجيء بالفعل الماضي في قوله :( ما عبدتم ( للدلالة على رسوخهم في عبادة الأصنام من أزمان مضت، وفيه رمز إلى تنزهه ( ﷺ ) من عبادة الأصنام من سالف الزمان وإلا لقال : ولا أنا عابد ما كُنا نعبد.
عطف على جملة :( ولا أنا عابد ما عبدتم ( ( الكافرون : ٤ ) لبيان تمام الاختلاف بين حاله وحالهم وإخبار بأنهم لا يعبدون الله إخباراً ثانياً تنبيهاً على أن الله أعلمه بأنهم لا يعبدون الله، وتقويةً لدلالة هذين الإِخبار على نبوءته ( ﷺ ) فقد أخبر عنهم بذلك فماتَ أولئك كلهم على الكفر وكانت هذه السورة من دلائل النبوءة.
وقد حصل من ذكر هذه الجملة بمثل نظيرتها السابقة توكيد للجملة السابقة توكيداً للمعنى الأصلي منها، وليس موقعها موقع التوكيد لوجود واو العطف كما علمت آنفاً في قوله :( ولا أنا عابد ما عبدتم ).
ولذلك فالواو في قوله هنا :( ولا أنتم عابدون ما أعبد ( عاطفة جملة على جملة لأجل ما اقتضته جملة :( ولا أنتم عابدون ما أعبد ( من المناسبة.
ويجوز أن تكون جملة ) ولا أنتم عابدون ما أعبد ( تأكيداً لفظياً لنظيرتها


الصفحة التالية
Icon