" صفحة رقم ٦٠٣ "
ولذلك لم يسكن ابن كثير الهاء من قوله تعالى :( ذات لهب ( وقراءةُ ابن كثير قراءة أهل مكة فلعل أهل مكة اشتهرت بينهم كنية أبي لهب بسكون الهاء تحقيقاً لكثرة دورانها على الألسنة في زمانه.
وجملة :( وتب ( إما معطوفة على جملة :( تبت يدا أبي لهب ( عطف الدعاء على الدعاء إذا كان إسناد التبات إلى اليدين لأنهما آلة الأذى بالرمي بالحجارة كما في خبر طارق المحاربي، فأعيد الدعاء على جميعه إغلاظاً له في الشتم والتقريع، وتفيدُ بذلك تأكيداً لجملة :( تبت يدا أبي لهب ( لأنها بمعناها، وإنما اختلفتا بالكلية والجزئية، وذلك الاختلاف هو مقتضِي عطفها، وإلا لكان التوكيد غير معطوف لأن التوكيد اللفظي لا يعطف بالواو كما تقدم في سورة الكافرون.
وإمّا أن تكون في موضع الحال، والواو واوَ الحال ولا تكون دعاء إنما هي تحقيق لحصول ما دُعي عليه به كقول النابغة :
جَزَى ربُّه عني عديَّ بن حاتم
جَزَاء الكلاب العاويات وقَدْ فَعَلْ
فيكون الكلام قبله مستعملاً في الذم والشماتة به أو لطلب الازدياد، ويؤيد هذا الوجه قراءة عبد الله بن مسعود ( وقد تَب ) فيتمحض الكلام قبله لمعنى الذم والتحقير دون معنى طلب حصول التبات له، وذلك كقول عبد الله بن رواحة حين خروجه إلى غزوة مُؤتة التي استشهد فيها :
حتَّى يقولوا إذا مَرُّوا على جَدثي
أرْشَدَك اللَّهُ من غَازٍ وقَدْ رَشِدا
يعني ويقولوا : وقد رشدا، فيصير قوله : أرشدك الله من غازٍ، لمجرد الثناء والغبطة بما حصّله من الشهادة.
استئناف ابتدائي للانتقال من إنشاء الشتم والتوبيخ إلى الإِعلام بأنه آيس من النجاة من هذا التبات، ولا يغنيه ماله، ولا كسبه، أي لا يغني عنه ذلك في دفع شيء عنه في الآخرة.


الصفحة التالية
Icon