" صفحة رقم ٦١٦ "
فابتدىء لهم بأنه واحد ليعلموا أن الأصنام ليست من الإِلاهية في شيء.
ثم إن الأحدية تقتضي الوجود لا محالة فبطل قول المعطلة والدُّهريين.
وقد اصطلح علماء الكلام من أهل السنة على استخراج الصفات السلبية الربانية من معنى الأحدية لأنه إذا كان منفرداً بالإِلاهية كان مستغنياً عن المخصِّص بالإِيجاد لأنه لو افتقر إلى من يُوجده لكان من يوجده إلاهاً أوَّلَ منه فلذلك كان وجود الله قديماً غير مسبوق بعدم ولا محتاج إلى مخصص بالوجُود بدَلاً عن العدم، وكان مستعيناً عن الإمداد بالوجود فكان باقياً، وكان غنياً عن غيره، وكان مخالفاً للحوادث وإلا لاحتاج مثلَها إلى المخصص فكان وصفه تعالى : ب ) أحد ( جامعاً للصفات السلبية. ومثلُ ذلك يُقال في مرادفه وهو وصف وَاحد.
واصطلحوا على أن أحدية الله أحدية واجبة كاملة، فالله تعالى واحد من جميع الوجوه، وعلى كل التقادير فليس لكُنْه الله كثرة أصلاً لا كثرة معنوية وهي تعدد المقوّمات من الأجناس والفصول التي تتقوم منها المواهي، ولا كثرةُ الأجزاء في الخارج التي تتقوم منها الأجسام. فأفاد وصف ) أحد ( أنه منزه عن الجنس والفصل والمادة والصورة، والأعراض والأبعاض، والأعضاء والأشكال والألوان وسائر ما ينافي الوحدة الكاملة كما إشار إليه ابن سينا.
قال في ( الكشاف ) :( وفي قراءة النبي ( ﷺ ) ) اللَّه أحد ( بغير ) قل هو ( اه، ولعله أخذه مما روي أن النبي ( ﷺ ) قال من قرأ :( اللَّه أحد ( كان بِعَدْل ثلثثِ القرآن، كما ذكره بأثر قراءة أبيّ بدون ) قل ( كما تأوله الطيبي إذ قال : وهذا استشهاد على هذه القراءة.
وعندي إن صح ما روي من القراءة أن النبي ( ﷺ ) لم يقصد بها التلاوة وإنما قصد الامتثال لما أمر بأن يقوله، وهذا كما كان يُكثر أن يقول :( سبحان ربي العظيم وبحمده اللهم اغفر لي ) يَتأول قوله تعالى :( فسبح بحمد ربك واستغفره ( ( النصر : ٣ ).


الصفحة التالية
Icon