" صفحة رقم ٦١٩ "
إلى الله والِداً. وفيه الإِيماء إلى أن من يكون مولوداً مثل عيسى لا يكون إلاهاً لأنه لو كان الإِلاه مولوداً لكان وجوده مسبوقاً بعدم لا محالة، وذلك محال لأنه لو كان مسبوقاً بعدم لكان مفتقراً إلى من يُخصصه بالوجود بعد العدم، فحصل من مجموع جملة :( لم يلد ولم يولد ( إبطالُ أن يكون الله والداً لِمولود، أو مولوداً من والد بالصراحة. وبطلت إلاهية كل مولود بطريق الكناية فبطلت العقائد المبنية على تولد الإِلاه مثل عقيدة ( زرادشت ) الثانوية القائلة بوجود إلاهَيْن : إلاه الخير وهو الأصل، وإلاهِ الشر وهو متولد عن إلاه الخير، لأن إلاه الخير وهو المسمى عندهم ( يزدان ) فكَّر فكرةً سوء فتولد منه إلاه الشر المسمى عندهم ( أهرُمنْ )، وقد أشار إلى مذهبهم أبو العلاء بقوله :
قَال أناس باطل زعمهم
فراقِبوا الله ولا تَزْعُمُنْ
فكَّر ( يزدان ) على غِرة
فصيغَ من تفكيره ( أهْرُمُنْ )
وبطلت عقيدة النصارى بإلاهية عيسى عليه السّلام بتوهمهم أنه ابن الله وأن ابن الإِلاه لا يكون إلاّ إلاهاً بأن الإِلاه يستحيل أن يكون له ولد فليس عيسى بابن لله، وبأن الإِلاه يستحيل أن يكون مولوداً بعد عدم. فالمولود المتفق على أنه مولود يستحيل أن يكون إلاهاً فبطل أن يكون عيسى إِلاهاً.
فلما أبْطَلَت الجملةُ الأولى إلاهية إلاه غير الله بالأصالة، وأبْطَلَتْ الجملة الثانية إلاهية غير الله بالاستحقاق، أبْطَلَت هذه الجملة إلاهية غير الله بالفرعية والتولد بطريق الكناية.
وإنما نفي أن يكون الله والداً وأن يكون مولوداً في الزمن الماضي، لأن عقيدة التولد ادعت وقوعَ ذلك في زمن مضى، ولم يدع أحد أن الله سيتخذ ولداً في المستقبل.
في معنى التذييل للجمل التي قبلها لأنها أعم من مضمونها لأن تلك الصفات المتقدمة صريحَها وكنايتها وضمنيَّها لا يشبهه فيها غيره، مع إفادة هذه انتفاء


الصفحة التالية
Icon