" صفحة رقم ٦٢٦ "
طريق من طرق الخطاب تدل على قصده القرائن، فيكون من استعمال المشترك في معنييه.
واستعمال صيغة التكلم في فعل ) أعوذ ( يتبع ما يراد بصيغة الخطاب في فعل ) قل ( فهو مأمور به لكل من يريد التعوذ بها.
وأما تعويذُ قارئها غيرَه بها كما ورد أن النبي ( ﷺ ) كان يعوذ بالمعوذتين الحسن والحسين، وما رُوي عن عائشة قالت :( إن النبي ( ﷺ ) كان ينفث على نفسه في المرض الذي مات فيه بالمعوِّذات، فلما ثَقُل كنت أنفث عليه بهن وأمْسح بيدِ نفسه لبركتها )، فذلك على نية النيابة عمن لا يحسن أن يعوذ نفسه بنفسه بتلك الكلمات لعجز أو صغر أو عدم حفظ.
والعَوْذ : اللجأ إلى شيء يقِي من يلجأُ إليه ما يخافه، يُقال : عاذ بفلان، وعاذ بحصن، ويقال : استعاذ، إذا سأل غيره أن يُعيذه قال تعالى :( فاستعِذ باللَّه إنه سميع عليم ( ( الأعراف : ٢٠٠ ). وعاذ من كذا، إذا صار إلى ما يعيذه منه قال تعالى :( فاستعذ باللَّه من الشيطان الرجيم ( ( النحل : ٩٨ ).
و ) الفلق ( : الصبح، وهو فَعَل بمعنى مفعول مثل الصَّمَد لأن الليل شبه بشَيء مغلق ينفلق عن الصبح، وحقيقة الفَلْق : الانشقاق عن باطن شيء، واستعير لظهور الصبح بعد ظلمة الليل، وهذا مثل استعارة الإخراج لظهور النور بعد الظلام في قوله تعالى :( وأغطش ليلها وأخرج ضحاها ( ( النازعات : ٢٩ )، واستعارة السلخ له في قوله تعالى :( وآية لهم الليل نسلخ منه النهار ( ( يس : ٣٧ ).
وربُّ الفلق : هو الله، لأنه الذي خلق أسبابَ ظهور الصبح، وتخصيص وصف الله بأنه رب الفلق دون وصف آخر لأن شراً كثيراً يحدث في الليل من لصوص، وسباع، وذوات سموم، وتعذر السير، وعُسر النجدة، وبُعد الاستغاثة واشتداد آلام المرضى، حتى ظن بعض أهل الضلالة الليل إلاه الشر.
والمعنى : أعوذ بفالق الصبح مَنجاةً من شرور الليل، فإنه قادر على أن ينجيني في الليل من الشر كما أنجى أهل الأرض كلهم بأن خلق لهم الصبح، فوُصفَ الله بالصفة التي فيها تمهيدٌ للإِجابة.