" صفحة رقم ٦٢٨ "
ومعنى ) وقب ( دخل وتغلغل في الشيء، ومنه الوَقْبة : اسم النقرة في الصخرة يجتمع فيها الماء، ووقبت الشمس غابت، وخُص بالتعوذ أشد أوقات الليل توقعاً لحصول المكروه.
هذا النوع الثاني من الأنواع الخاصة المعطوفة على العام من قوله :( من شر ما خلق ( ( الفلق : ٢ ). وعُطف ) شر النفاثات في العقد ( على شر الليل لأن الليل وقت يتحين فيه السحَرة إجراء شعوذتهم لئلا يطلع عليهم أحد.
والنفث : نفخ مع تحريك اللسان بدون إخراج ريق فهو أقل من التفل، يفعله السحرة إذا وضعوا علاج سحرهم في شيء وعَقدوا عليه عُقَداً ثم نفثوا عليها.
فالمراد ب ) النفاثات في العقد ( : النساء الساحرات، وإنما جيء بصفة المؤنث لأن الغالب عند العرب أن يتعاطى السحرَ النساء لأن نساءهم لا شغل لهن بعد تهيئة لوازم الطعام والماء والنظافة، فلذلك يكثر انكبابهن على مثل هاته السفاسف من السحر والتَّكهن ونحو ذلك، فالأوهام الباطلة تتفشى بينهن، وكان العرب يزعمون أن الغُول ساحرةٌ من الجِن. وورد في خبر هجرة الحبشة أن عمارة بن الوليد بن المغيرة اتُّهم بزوجة النجاشي وأن النجاشي دعَا له السوَاحر فنفخن في إحليله فصار مسلوب العقل هائماً على وجهه ولحق بالوحوش.
و ) العُقد ( : جمع عقدة وهي ربط في خيط أو وَتَر يزعم السحرة أنه سحر المسحور يستمر ما دامت تلك العقد معقودة، ولذلك يخافون من حَلها فيدفنونها أو يخبئونها في محل لا يُهتدى إليه. أمر الله رسوله ( ﷺ ) بالاستعاذة من شر السحرة لأنه ضمن له أن لا يلحقه شر السحرة، وذلك إبطال لقول المشركين في أكاذيبهم إنه مسحور، قال تعالى :( وقال الظالمون إنْ تتبعون إلا رجلاً مسحوراً ( ( الفرقان : ٨ ).
وجملة القول هنا : أنه لما كان الأصح أن السورة مكية فإن النبي ( ﷺ ) مأمون من أن يصيبه شر النفاثات لأن الله أعاذه منها.


الصفحة التالية
Icon