" صفحة رقم ٨ "
وتجيء لإفادة قوة صدور الفعل من الفاعل نحو قولهم : عافاك الله، وذلك إما كناية أو مجاز ومَحملهُ في الآية على جواز الاحتمالات الثلاثة وذلك من إرادة المعنى الكنائي مع المعنى الصريح، أو من استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه، وكلا الاعتبارين صحيح في الكلام البليغ فلا وجه لمنعه.
فيجوز أن تكون مستعملة في حقيقتها بأن يسأل بعضهم بعضاً سؤال متطلع للعلم لأنهم حينئذ لم يزالوا في شك من صحة ما أنبئوا به ثم استقر أمرهم على الإِنكار.
ويجوز أن تكون مستعملة في المجاز الصوري يتظاهرون بالسؤال وهم موقنون بانتفاء وقوع ما يتساءلون عنه على طريقة استعمال فعل ( يحذر ) في قوله تعالى :( يحذر المنافقون أن تنزل عليهم سورة ( ( التوبة : ٦٤ ) فيكونون قصدوا بالسؤال الاستهزاء.
وذهب المفسرون فريقين في كلتا الطريقتين يُرجَّحُ كلُّ فريق ما ذهب إليه. والوجه حمل الآية على كلتيهما لأن المشركين كانوا متفاوتين في التكذيب، فعن ابن عباس :( لما نزل القرآن كانت قريش يتحدثون فيما بينهم فمنهم مصدق ومنهم مكذب ).
وعن الحسن وقتادة مثل قول ابن عباس، وقيل : هو سؤال استهزاء أو تعجب وإنما هم موقنون بالتكذيب.
فأما التساؤل الحقيقي فأنْ يَسْأَل أحد منهم غيره عن بعض أحوال هذا النبأ فيسأل المسؤولُ سائله سؤالاً عن حال آخرَ من أحوال النبأ، إذ يخطر لكل واحد في ذلك خاطر غيرُ الذي خطر للآخر فيسأل سؤال مستثبت، أو سؤال كشف عن معتقَده، أو ما يُوصَف به المخبر بهذا النبأ كما قال بعضهم لبعض :( أفْتَرى على الله كذباً أم به جنة ( ( سبأ : ٨ ) وقال بعض آخر :( أئذا كنا تراباً وآباؤنا أئنا لمُخرَجون ( إلى قوله :( إنْ هذا إلا أساطير الأولين ( ( النمل : ٦٧، ٦٨ ).
وأما التساؤل الصوري فأن يسأل بعضهم بعضاً عن هذا الخبر سؤال تهكم واستهزاء فيقول أحدهم : هل بلغك خبر البعث ؟ ويقول له الآخر : هل سمعتَ ما


الصفحة التالية
Icon