" صفحة رقم ٢١٥ "
الحرص في الإيمان بوحدانيته، إذ الربّ هو المالك الذي يربّ مملوكه أي، يدبّر شؤونه، وليتأتّى بذكر لفظ ( الربّ ) طريق الإضافة الدالّة على أنّهم محقوقون بتقواه حقّ التقوى، والدالّة على أنّ بين الربّ والمخاطبين صلة تعدّ إضاعتها حماقة وضلالاً. وأمّا التقوى في قوله :( واتقوا اللَّه الذي تساءلون به والأرحام ( فالمقصد الأهمّ منها : تقوى المؤمنين بالحذر من التساهل في حقوق الأرحام واليتامى من النساء والرجال. ثم جاء باسم الموصول ) الذي خلقكم ( للإيماء إلى وجه بناء الخبر لأنّ الذي خلق الإنسان حقيق بأن يتّقى.
ووَصْل ) خلقكم ( بصلة ) من نفس واحدة ( إدماج للتنبيه على عجيب هذا الخلق وحقّه بالاعتبار. وفي الآية تلويح للمشركين بأحقّيّة اتّباعهم دعوة الإسلام، لأنّ الناس أبناء أب واحد، وهذا الدين يدعو الناس كلّهم إلى متابعته ولم يخصّ أمّة من الأمم أو نسباً من الأنساب، فهو جدير بأن يكون دين جميع البشر، بخلاف بقية الشرائع فهي مصرّحة باختصاصها بأمم معيّنة. وفي الآية تعريض للمشركين بأنّ أولى الناس بأن يتّبعوه هو محمد ( ﷺ ) لأنّه من ذوي رحمهم. وفي الآية تمهيد لما سَيُبَيَّنُ في هذه السورة من الأحكام المرتّبة على النسب والقرابة.
والنفس الواحدة : هي آدم. والزوج : حوّاء، فإنّ حوّاء أخرجت من آدم. من ضلعه، كما يقتضيه ظاهر قوله :( منها ).
و ( مِن ) تبعيضية. ومعنى التبعيض أنّ حوّاء خلقت من جزء من آدم. قيل : من بقية الطينة التي خلق منها آدم. وقيل : فصلت قطعة من ضلعه وهو ظاهر الحديث الوارد في ( الصحيحين ).
ومن قال : إنّ المعنى وخلق زوجها من نوعها لم يأت بطائل، لأنّ ذلك لا يختصّ بنوع الإنسان فإنّ أنثى كلّ نوع هي من نوعه.
وعُطف قوله :( وخلق منها زوجها ( على ) خلقكم من نفس واحدة (، فهو صلة ثانية. وقوله :( وبث منهما ( صلة ثالثة لأنّ الذي يخلق هذا الخلق العجيب جدير بأن


الصفحة التالية
Icon