" صفحة رقم ٢٢٣ "
ولذلك أخرجه البخاري في باب تفسير سورة النساء بسياق الأحاديث المرفوعة اعتداداً بأنها ما قالت ذلك إلاّ عن معاينة حال النزول، وأَفهام المسلمين التي أقرّها الرسول عليه السلام، لا سيما وقد قالت : ثمّ إنّ الناس استفتوا رسول الله، وعليه فيكون إيجاز لفظ الآية اعتداداً بما فهمه الناس ممّا يعلمون من أحوالهم، وتكون قد جمعت إلى حكم حفظ حقوق اليتامى في أموالهم الموروثة حفظ حقوقهم في الأموال التي يستحقّها البنات اليتامى من مهور أمثالهنّ، وموعظة الرجال بأنّهم لمّا لم يجعلوا أواصر القرابة شافعة النساء اللاتي لا مرغِّب فيهنّ لهم فيرغبون عن نكاحهنّ، فكذلك لا يجعلون القرابة سبباً للإجحاف بهنّ في مهورهنّ. وقولها : ثمّ إنّ الناس استفتوا رسول الله، معناه استفتوه طلباً لإيضاح هذه الآية. أو استفتوه في حكم نكاح اليتامى، وله يهتدوا إلى أخذه من هذه الآية، فنزل قوله :( ويستفتونك في النساء ( الآية، وأنّ الإشارة بقوله :( وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء ( أي ما يتلى من هذه الآية الأولى، أي كان هذا الاستفتاء في زمن نزول هذه السورة. وكلامها هذا أحسن تفسير لهذه الآية. وقال ابن عباس، وسعيد بن جبير، والسدّي، وقتادة : كانت العرب تتحرّج في أموال اليتامى ولا تتحّرج في العدل بين النساء، فكانوا يتزوّجون العشر فأكثر فنزلت هذه الآية في ذلك، وعلى هذا القول فمحلّ الملازمة بين الشرط والجزاء إنّما هو فيما تفرّع عن الجزاء من قوله :( فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة (، فيكون نسج الآية قد حيك على هذا الأسلوب ليدمج في خلاله تحديد النهاية إلى الأربع. وقال عكرمة : نزلت في قريش، كان الرجل يتزوّج العشر فأكثر فإذا ضاق ماله عن إنفاقهنّ أخذ مال يتيمه فتزوّج منه، وعلى هذا الوجه فالملازمة ظاهرة، لأنّ تزوّج ما لا يستطاع القيام به صار ذريعة إلى أكل أموال اليتامى، فتكون الآية دليلاً على مشروعية سدّ الذرائع إذا غلبت. وقال مجاهد : الآية تحذير من الزنا، وذلك أنّهم كانوا يتحرّجون من أكل أموال اليتامى ولا يتحرّجون من الزنا، فقيل لهم : إن كنتم تخافون من أموال اليتامى فخافوا الزنا، لأنّ شأن المتنسّك أن يهجر جميع المآثم لا سيما ما كانت مفسدته أشدّ. وعلى هذا الوجه تضعف الملازمة بين الشرط وجوابه ويكون فعل الشرط ماضياً لفظاً ومعنى. وقيل في هذا وجوه أخر هي أضعف ممّا ذكرنا.


الصفحة التالية
Icon