" صفحة رقم ٢٢٦ "
وظاهر الخطاب للناس يعم الحرّ والعبد، فللعبد أن يتزوّج أربع نسوة على الصحيح، وهو قول مالك، ويعزى إلى أبي الدرداء، والقاسم بن محمد، وسالم، وربيعة بن أبي عبد الرحمن، ومجاهد، وذهب إليه داوود الظاهري. وقيل : لا يتزوّج العبد أكثر من اثنتين، وهو قول أبي حنيفة، والشافعي، وينسب إلى عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وعبد الرحمن بن عوف، وابن سيرين، والحسن. وليس هذا من مناسب التنصيف للعبيد، لأنّ هذا من مقتضى الطبع الذي لا يختلف في الأحرار والعبيد. ومن ادّعى إجماع الصحابة على أنّه لا يتزوّج أكثر من اثنتين فقد جازف القول.
وقوله :( فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة (، أي فواحدة لكلّ من يخاف عدم العدل. وإنّما لم يقل فأُحاد أو فمَوْحَد لأنّ وزن مَفعل وفُعال في العدد لا يأتي إلاّ بعد جمع ولم يجر جمع هنا. وقرأ الجمهور : فواحدة بالنصب، وانتصب واحدة على أنّه مفعول لمحذوف أي فانكحوا واحدة. وقرأه أبو جعفر بالرفع على أنه مبتدأ وخبره محذوف أي كفاية.
وخوف عدم العدل معناه عدم العدل بين الزوجات، أي عدم التسوية، وذلك في النفقة والكسوة والبشاشة والمعاشرة وترك الضرّ في كلّ ما يدخل تحت قدرة المكلّف وطوقه دون ميل القلب.
وقد شرع الله تعدّد النساء للقادر العادل لِمصالح جمّة : منها أنّ في ذلك وسيلة إلى تكثير عدد الأمة بازدياد المواليد فيها، ومنها أنّ ذلك يعين على كفالة النساء اللائي هنّ أكثر من الرجال في كلّ أمّة لأنّ الأنوثة في المواليد أكثر من الذكورة، ولأنّ الرجال يعرض لهم من أسباب الهلاك في الحروب والشدائد ما لا يعرض للنساء، ولأنّ النساء أطول أعماراً من الرجال غالباً، بما فطرهنّ الله عليه، ومنها أنّ الشريعة قد حرّمت الزنا وضيّقت في تحريمه لمّا يجرّ إليه من الفساد في الأخلاق والأنساب ونظام العائلات، فناسب أن توسّع على الناس في تعدّد النساء لمن كان من الرجال ميّالاً للتعدّد مجبولاً عليه، ومنها قصد الابتعاد عن الطلاق إلاّ لضرورة.