" صفحة رقم ٢٤٤ "
وقوله :( ولا تأكلوها إسرافاً ( عطف على ) وابتلوا اليتامى ( باعتبار ما اتّصل به من الكلام في قوله :( فإن آنستم منهم رشداً ( إلخ وهو تأكيد للنهي عن أكل أموال اليتامى الذي تقدّم في قوله :( ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم ( ( النساء : ٢ ) وتفضيح لحيلة كانوا يحتالونها قبل بلوغ اليتامى أشُدّهم : وهي أن يتعجّل الأولياء استهلاك أموال اليتامى قبل أن يتهّيئوا لمطالبتهم ومحاسبتهم، فيأكلوها بالإسراف في الإنفاق، وذلك أنّ أكثر أموالهم في وقت النزول كانت أعياناً من أنعام وتمر وحبّ وأصواف فلم يكن شأنها ممّا يكتم ويختزن، ولا ممّا يعسر نقل الملك فيه كالعقار، فكان أكلها هو استهلاكها في منافع الأولياء وأهليهم، فإذا وجد الوليّ مال محجوره جَشِع إلى أكله بالتوسّععِ في نفقاته ولباسه ومراكبه وإكرام سمرائه ممّا لم يكن ينفق فيه مال نفسه، وهذا هو المعنى الذي عبّر عنه بالإسراف، فإنّ الإسراف الإفراط في الإنفاق والتوسّع في شؤون اللذات.
وانتصب ( إسرافاً ) على الحال : أو على النيابة عن المفعول المطلق، وأيّا ما كان، فليس القصد تقييد النهي عن الأكل بذلك، بل المقصود تشويه حالة الأكل.
والبدار مصدر بادره، وهو مفاعلة من البَدْر، وهو العجلة إلى الشيء، بَدَره عجله، وبادره عاجله، والمفاعلة هنا قصد منها تمثيل هيئة الأولياء في إسرافهم في أكل أموال محاجيرهم عند مشارفتهم البلوغ، وتوقّع الأولياء سرعة إبَّانه، بحال من يبدر غيره إلى غاية والآخر يبدر إليها فهما يتبادرانها، كأنّ المحجور يسرع إلى البلوغ ليأخذ ماله، والوصي يسرع إلى أكله لكيلا يجد اليتيم ما يأخذ منه، فيذهب يدّعي عليه، ويقيم البيّنات حتّى يعجز عن إثبات حقوقه، فقوله :( أن يكبروا ( في موضع المفعول لمصدر المفاعلة. ويكبر بفتح الموحدة مضارع كبر كعَلِم إذا زاد في السنّ، وأمّا كبُر بضم الموحدة فهو إذا عظم في القدر، ويقال : كبر عليه الأمر بضم الموحدة شَقّ.
عطف على ) ولا تأكلوها إسرافاً ( الخ المقرّر به قوله :( ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم ( ( النساء : ٢ )