" صفحة رقم ٢٥١ "
والأمر في قوله :( فارزقوهم منه ( محمول عند جمهور أهل العلم على الندب من أوّل الأمر، إذ ليس في الصدقات الواجبة غير الزكاة، لأنّ النبي ( ﷺ ) قال للأعرابي لمّا قال له : هل عليّ غيرها ؟ ( لا إلاّ أنّ تطَّوّع ) وبهذا قال مالك وأبو حنيفة وفقهاء الأمصار، وجعلوا المخاطب بقوله :( فارزقوهم ( الورثة المالكين أمر أنفسهم، والآية عند هؤلاء محكمة غير منسوخة، وذهب فريق من أهل العلم إلى حمل الأمر بقوله :( فارزقوهم ( على الوجوب، فعن ابن عباس، وعكرمة، ومجاهد، والزهري، وعطاء، والحسن، والشعبي : أن ذلك حقّ واجب على الورثة المالكين أمر أنفسهم فهم المخاطبون بقوله :( فارزقوهم ).
وعن ابن عباس، وأبي موسى الأشعري وسعيد بن المسيّب، وأبي صالح : أنّ ذلك كان فرضا قبل نزول آية المواريث، ثم نسخ بآية المواريث، ومآل هذا القول إلى موافقة قول جمهور أهل العلم.
عن ابن عباس أيضاً. وزيد بن أسلم : أنّ الأمر موجّه إلى صاحب المال في الوصيّة التي كانت مفروضة قبل شرع الميراث واجب عليه أن يجعل في وصيّنه شيئاً لمن يحضر وصيّته من أولى القربى واليتامى والمساكين غير الذين أوصى لهم، وأنّ ذلك نسخ تَبعا لنسخ وجوب الوصية، وهذا يقتضي تأويل قوله :( القسمة ( بمعنى تعيين ما لكل موصى له من مقدار.
وعن سعيد بن جبير : أنّ الآية في نفس الميراث وأنّ المقصود منها هو قوله :( وقولوا لهم قولاً معروفاً ( قال : فقوله :( فارزقوهم منه ( هو الميراث نفسه.
وقوله :( وقولوا لهم قولاً معروفاً ( أي قولوا لغير الورثة بأن يقال لهم إنّ الله قسم المواريث.
وقد علمت أنّ موقع الآية تمهيد لتفصيل الفرائض، وأنّ ما ذهب إليه جمهور أهل العلم هو التأويل الصحيح للآية، وكفاك باضطراب الرواية عن ابن عباس في تأويلها توهينا لتأويلاتهم.