" صفحة رقم ٢٦٤ "
بعد أن بيّن ميراث ذي الأولاد أو الوالدَيْن وفصّله في أحواله حتّى حالة ميراث الزوجين، انتقل هنا إلى ميراث من ليس له ولد ولا والد، وهو الموروث كلالة، ولذلك قابل بها ميراث الأبوين.
والكلالةُ اسم للكلال وهو التعب والإعياء قال الأعشى :
فآليتُ لا أرثي لَها مِن كلالة
ولا من حفى حتّى أُلاقي مُحَمَّدا
وهو اسم مصدر لا يثنيّ ولا يجمع.
ووصفت العرب بالكلالة القرابةَ غيرَ القربى، كأنّهم جعلوا وصوله لنسب قريبه عن بُعد، فأطلقوا عليه الكلالة على طريق الكناية واستشهدوا له بقول من لم يسمّوه :
فإنّ أبا المرءِ أحمى له
ومَوْلى الكلالة لا يُغْضَبُ
ثم أطلقوه على إرث البعيد، وأحسب أنّ ذلك من مصطلح القرآن إذ لم أره في كلام العرب إلاّ ما بعد نزول الآية. قال الفرزدق :
ورثتم قَنَاةَ المجد لا عن كلالة
عن ابنَيْ مناف عبدِ شمس وهاشمِ
ومنه قولهم : ورِث المجدَ لاعن كلالة. وقد عدّ الصحابة معنى الكلالة هنا من مشكل القرآن حتّى قال عُمر بن الخطاب :( ثلاث لأن يكون رسول الله بَيّنهن أحبّ إليّ من الدنيا : الكلالةُ، والربا، والخلافةُ ). وقال أبو بكر :( أقول فيها برأيي، فإن كان صوابا فمن الله وإن كان خطأ فمنّي ومن الشيطان والله منه بريء، الكلالة ما خلا الولدَ والوالدَ ). وهذا قول عمر، وعلي، وابن عباس، وقال به الزهري، وقتادة والشعبي، وهو قول الجمهور، وحكي الإجماع عليه، وروي عن ابن عباس ( الكلالة من لا ولد له ) أي ولو كان له والد وينسب ذلك لأبي بكر وعمر أيضاً ثم رجعا عنه، وقد يستدلّ له بظاهر الآية في آخر السورة :( يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة إن امرؤ هلك ليس له ولد ( ( النساء : ١٧٦ ) وسياق الآية يرجّح ما ذهب إليه الجمهور لأنّ ذكرها بعد ميراث الأولاد والأبوين مؤذن بأنّها حالة مخالفة للحالين.


الصفحة التالية
Icon