" صفحة رقم ٢٧٢ "
المحصنين، وصنف غير المحصنين منهم، وبذلك فسّره ابن عباس في رواية مجاهد، وهو الوجه في تفسير الآية، وبه يتقوّم معنى بيِّن غير متداخل ولا مُكَرّر. ووجه الإشعار بصنفي الزناة من الرجال التحرّز من التماس العذر فيه لغير المحصنين. ويجوز أن يكون أطلق على صنفين مختلفين أي الرجال والنساء على طريقة التغليب الذي يكثر في مثله، وهو تفسير السدّي وقتادة، فعلى الوجه الأول تكون الآية قد جعلت للنساء عقوبة واحدة على الزنى وهي عقوبة الحبس في البيوت، وللرجال عقوبة على الزنى، هي الأذى سواء كانوا محصنين بزوجات أم غير محصنين، وهم الأعزبون. وعلى الوجه الثاني تكون قد جعلت للنساء عقوبتين : عقوبة خاصّة بهنّ وهي الحبس، وعقوبة لهنّ كعقوبة الرجال وهي الأذى، فيكون الحبس لهنّ مع عقوبة الأذى. وعلى كلا الوجهين يستفاد استواء المحصن وغير المحصن من الصنفين في كلتا العقوبتين، فأمّا الرجال فبدلالة تثنية اسم الموصول المراد بها صنفان اثنان، وأمّا النساء فبدلالة عموم صيغة ) نسائكم ).
وضمير النصب في قوله :( يأتيانها ( عائد إلى الفاحشة المذكورة وهي الزنا. ولا التفات لكلام من توهّم غير ذلك. والإيذاء : الإيلام غير الشديد بالفعل كالضرب غير المبرح، والإيلام بالقول من شتم وتوبيخ، فهو أعمّ من الجلد، والآية أجملته، فهو موكول إلى اجتهاد الحاكم.
وقد اختلف أيمّة الإسلام في كيفية انتزاع هذين العقوبتين من هذه الآية : فقال ابن عباس، ومجاهد : اللاتي يأتين الفاحشة يعمّ النساء خاصّة فشمل كلّ امرأة في سائر الأحوال بكراً كانت أم ثيّبا، وقوله :( والذان ( تثنية أريد بها نوعان من الرجال وهم المحصن والبكر، فيقتضي أنّ حكم الحبس في البيوت يختصّ بالزواني كلّهنّ، وحكم الأذى يختصّ بالزناة كلّهم، فاستفيد التعميم في الحالتين إلاّ أن استفادته في الأولى من صيغة العموم، وفي الثانية من انحصار النوعين، وقد كان يغني أن يقال : واللاتي يأتين، والذين يأتون، إلاّ أنّه سلك هذا الأسلوب ليحصل العموم بطريقين مع التنصيص على شمول النوعين.
وجُعل لفظ ( اللاتى ) للعموم ليستفاد العموم من صيغة الجمع فقط.