" صفحة رقم ٢٧٨ "
الوعد بقبولها حتّى جعلت كالحقّ على الله، ولا شيء بواجب على الله إلا وجوب وعده بفضله. قال ابن عطية : إخباره تعالى عن أشياء أوجبها على نفسه يَقتضي وجوب تلك الأشياء سمعا وليس وُجوبا.
وقد تسلّط الحصر على الخبر، وهو ) للذين يعملون (، وذكر له قيدان وهما ) بجهالة ( و ) من قريب ). والجهالة تطلق على سوء المعاملة وعلى الإقدام على العمل دون رويَّة، وهي ما قابل الحِلم، ولذلك تطلق الجهالة على الظُلم. قال عمرو بن كلثوم :
أَلا لا يجهَلَنْ أحدٌ علينا
فَنَجْهل فوْقَ جهل الجاهلينا
وقال تعالى، حكاية عن يوسف ( وإلاَّ تَصْرِفْ عنّي كَيْدَهُنّ أصْبُ إليْهن وأكُنْ من الجاهلين ). والمراد هنا ظلم النفس، وذكر هذا القيد هنا لمجرّد تشويه عمل السوء، فالباء للملابسة، إذ لا يكون عمل السوء إلاّ كذلك. وليس المراد بالجهالة ما يطلق عليه اسم الجَهل، وهو انتفاء العلم بما فعله، لأنّ ذلك لا يسمّى جهالة، وإنّما هو من معاني لفظ الجَهل، ولو عمل أحد معصية وهو غير عالم بأنّها معصية لم يكن آثماً ولا يجب عليه إلاّ أن يتعلّم ذلك ويجتنّبه.
وقوله :( من قريب (، من فيه للابتداء و ) قريب ( صفة لمحذوف، أي من زمن قريب من وقت عمل السوء.
وتأوّل بعضهم معنى ) من قريب ( بأنّ القريب هو ما قبل الاحتضار، وجعلوا قوله بعده ) حتى إذا حضر أحدهم الموت ( يبيّن المراد من معنى ( قريب ).
واختلف المفسّرون من السلف ومَن بَعدهم في إعمال مفهوم القيدين ( بجهالة من قريب ) حتّى قيل : إنّ حكم الآية منسوخ بآية ) إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ( ( النساء : ٤٨ )، والأكثر على أنّ قيد ( بجهالة ) كوصف كاشف لعمل السوء لأنّ المراد عمل السوء مع الإيمان. فقد روى عبد الرزاق عن قتادة قال : اجتمع أصحاب محمد ( ﷺ ) فرأوْا أنّ كلّ عمل عصي الله به فهو جهالة عمداً كان أو غيرَه.